نضال حمدترك الطبيب النرويجي مادس غيلبيرت الذي تعود أصوله إلى شمال البلاد النرويجية الباردة، عمله ومنزله نهاية عام 2008. حمل متاعه كما زميله الدكتور البروفسور النرويجي أريك فوسه، اختصاصي جراحة القلب في أحد أكبر مستشفيات العاصمة أوسلو. توجّها معاً إلى قطاع غزة المحاصر، الذي كان يتعرض لحرب عدوانية همجية صهيونية أودت بحياة المئات من الفلسطينيين، جلّهم من النساء والأطفال والمدنيين. دخلا القطاع وباشرا فوراً عملهما كطبيبين في مشفى الشفاء، أكبر مستشفيات القطاع.
منذ ولوجهما غزة، أصبحا المصدر الإعلامي الغربي الوحيد من داخل القطاع، وخاصة أن الاحتلال منع دخول الصحافة المحلية والأجنبية إلى هناك. أجرى الطبيبان الكثير من العمليات الجراحية، وعالجا الكثير من المصابين، وأرسلا التقارير التي دمعت لها الأعين في النرويج. ووجّها رسائل أعلنا عبرها وفيها، أن ما يجري في القطاع مذبحة لكل أهل غزة وسكانها. كما أرسلا صوراً عن حال المستشفيات والمصابين، وخاصة الأطفال والنساء. ووجّها نداءات للحكومة والشعب في النرويج كي يفعلوا شيئاً لوقف المذابح. وكانت لرسائلهما تأثيرات كبيرة على كل الصعد في النرويج، فنشطت حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني يومياً طوال أيام الحرب الهمجية وبعدها، وما زالت الفعاليات مستمرة حيث أقيمت مساء الخميس 12/ 2/2009 في جامعة أوسلو بدعوة من حزب اليسار الاشتراكي والمنظمة النرويجية الموحدة من أجل فلسطين ولجنة فلسطين النرويجية، ندوة للطبيبين، أدارها كل من الباحث النرويجي المعروف آري هوفدنيك المختص بالشرق الأوسط، مع ت. مالي رئيسة منظمة الشبيبة الاشتراكية النرويجية.
بعد نداء غيلبرت وفوسه، أرسلت الحكومة النرويجية مساعدات عاجلة وطارئة إلى القطاع. وأدانت قتل المدنيين وقصفهم في غزة. كما قالت إنها سوف تدعم أي مطالبات نرويجية لإسرائيل بدفع تعويضات عن المشاريع النرويجية التي دمرتها آلة حربهم. ولم تنته الأمور عند هذا الحد، فقد نشر غيلبيرت بعد عودته من القطاع مع زميله فوسه، العديد من الصور التي التقطها في القطاع في كبريات الصحف النرويجية.
عندما عادا إلى النرويج، استقبلا بما يليق بهما من عائلتيهما والأصدقاء والفعاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية. كذلك الصحافة المحلية والعالمية والعربية كانت حاضرة. بكيا كثيراً من شدة ما شاهداه في القطاع من مآسٍ وجرائم ودمار وإرهاب دولة منظم لم يقف العالم الحر بوجهه.
بل هناك من دافع ولا يزال يدافع عنه، مع أن القتلة من إرهابيي الصهاينة، تلاميذ نجباء للفاشية الأوروبية، ولمنابع الكراهية والحقد والعنصرية والإرهاب فيها من ثلاثينيات القرن الفائت. ذبح أجدادهم آباء اللاجئين وأمهاتهم وأجدادهم في نكبة 1948 وفي السنوات التي تلتها. وها هم يذبحون أبناءهم وأحفادهم في غزة والضفة، كما فعلوا سابقاً في مخيمات لبنان. فجرح صبرا وشاتيلا ما زال مفتوحاً وبحاجة لقضاء نزيه يضمده، يأتي بالمجرمين عرباً ويهوداً إلى قفص المحاكمة.
بعد عودتهما من غزة، أخذت الأبواق الصهيونية تهاجمهما دورياً وبانتظام. السفارة الصهيونية هنا والمنظمات الموالية للصهاينة، وشبكة «سي أن أن»، حاولت الانتقاص من مصداقيتهم والتذكير بماضي غيلبيرت الشيوعي، الذي يُقال إنه أيد هجمات 11 أيلول 2001. وذكّروا بأن البروفسور فوسه هو عضو في لجنة فلسطين النرويجية منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي. وأضافوا أنهما منحازان للفلسطينيين. جربوا وحاولوا التشويه بكل السبل، لكن تلك الأساليب لم تأت بثمار تفيدهم. فغيلبيرت وفوسه تنقلا وما زالا بين وسائل الإعلام العالمية والمؤسسات النرويجية ليقدما شهادة على كل ما شاهداه في غزة، وبالذات على جرائم الصهاينة.
لم يقف الأمر عند ذلك، إذ منحتهما مؤسسة الكلمة الحرة الإعلامية النرويجية شهادة تقدير وشرف رمزية، حصل خلالها كل منهما على مبلغ 50 ألف كراونة نرويجية، لشجاعتهما وتغطيتهما أخبار غزة خلال وجودهما هناك. مع العلم بأنهما ليسا صحافيين. وفي تطور مثير، أعلن يوم الخميس الماضي، أن هناك من الإعلاميين من رشّحهما لنيل أكبر جائزة نرويجية إعلامية تقدمها سنوياً رابطة الصحافة النرويجية.
غيلبيرت وفوسه اسمان سيبقيان عالقين في ضمائر الشعوب الحية والقوى المحبة للسلام. ولكي لا ننسى آخرين ذهبوا إلى غزة متطوعين للمساعدة، يجب أن نذكر أيضاً أن هناك نرويجياً ثالثاً مكث في غزة منذ بداية الحرب وحتى نهايتها. هذا الشخص اسمه داغ فين بيوركيلين، وهو معالج طبيعي خدم في مشفى الشفاء. وعاد أخيراً إلى أوسلو برفقة ثلاثة أطباء نرويجيين، منهم واحد من أصل فلسطيني هو محمد أبو عرب.