درجت العادة على ألا يجري الاهتمام كثيراً بموضوع الحيوانات في لبنان. لكن الجمعيات الدولية تلاحقنا، وهي خصصت 50 ألف دولار أميركي لاستعادة شِمْبانزِي دخل بطريقة غير شرعية إلى لبنان. وزارة الزراعة حاولت مصادرته. والنيابة العامة التمييزية عيّنت مالكه الحالي حارساً قضائياً عليه. إنها رحلة القبض على «تشارلي»، الذي يفرح قلوب زوار حديقة «آنيمال سيتي»، ويفطر قلوب جمعيات الرفق بالحيوان
بسام القنطار
في «آنيمال سيتي» في نهر الكلب لا يزال الشِمْبانزِي «تشارلي» يقوم بدور «الفرجة» الإجبارية لزبائن الحديقة. فقد مضت أربع سنوات على وجوده القسري هناك، بعدما فشلت جميع محاولات ترحيله إلى موئله الأصلي في أفريقيا.
الخبير الأميركي جايسون ماير، المختص في تعقب مهربي الشِمْبَانْزِي المصنف ضمن الحيوانات الأكثر ذكاءً، يصر على حقه في مصادرة «تشارلي» من مالكه الحالي طوني الأسمر، بعدما تقدّم بطلب لدى وزارة الزراعة، ولاحقاً بإخبار لدى النيابة العامة التمييزية، التي لم تبتّ أمره، واكتفت بتعيين الأسمر حارساً قضائياً على السعدان.
ماير قال لـ«الأخبار»: «قصتي مع تشارلي بدأت عام 2005، عندما تلقيت طلباً عبر منظمة دولية يفيد أن جمعيات لبنانية اشتكت من دخول ثلاثة قرود شِمْبانزِي إلى لبنان بطريقة غير شرعية».
وأضاف: «استحصلت سريعاً على إذن من مشروع «الحفاظ على حياة القردة العليا» (الأكثر تطوراً) التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. كما راسلت محمية امهولتي في جنوب أفريقيا المختصة بحماية الشِمْبانزِي من الانقراض فأبدت استعدادها لترحيل جميع قرود الشِمْبانزِي الموجودة في لبنان وتبنّيها. وصلت إلى هنا مطلع عام 2005 وقدّمت شكوى عاجلة إلى وزارة الزراعة، طلبت فيها مصادرة قرود الشِمْبانزِي وتعهدت ترحيلها إلى موئلها الأصلي».
ولدى مراجعة «الأخبار» سجلات وزارة الزراعة، تبين أن مصلحة مراقبة التصدير والاستيراد والحجر الصحي كانت قد رفعت مذكرة إلى محافظ جبل لبنان بتاريخ 17/1/2005 طلبت منه فيها مؤازرة قوى الأمن الداخلي لفريق من الوزارة لمصادرة ثلاثة قرود شِمْبانزِي. الأول يسمّى «تشارلي» يملكه طوني الأسمر وموجود في حديقة عامة في نهر الكلب. والثاني يسمّى «ريكاردو» يملكه إميل حديفة وموجود في قفص قرب محطة محروقات يملكها في منطقة اليسار في المتن. أما الثالث ويسمّى «بابا»، فموجود مع سعدان من نوع بابون في مطعم «مستر ستيك» الذي يملكه نبيل بجاني في منطقة المكلس.
ويقول ماير إنه ذهب إلى الأماكن الثلاثة بمرافقة قوى الأمن الداخلي، وايغن كيسونس، ممثل محمية امهلوتي التي أوفدته خصيصاً من جنوب أفريقيا. «فجأةً اختفت قرود الشِمْبانزِي من أماكن احتجازها. وتعزّزت لديّ هواجس أن هناك من أبلغ أصحابها الحاليين أننا سنقوم بعملية المصادرة، بعدها قررنا أن نخوض المعركة في القضاء»، يقول ماير.
وبالعودة إلى محاضر التحقيق، التي جرت بناءً على إخبار تقدم به ماير عبر المحامي قبلان باسيم إلى النيابة العامة التمييزية، تبين أن المباحث الجنائية المركزية حققت مع كل من الأسمر وحديفة وبجاني. ولقد أقر الأسمر بوجود «تشارلي» في الحديقة التي يملكها، وبأنه لا يزال على قيد الحياة. فيما أفاد كل من بجاني وحديفة بأن القردين اللذين يملكانهما قد ماتا بسبب المرض.
ويستدلّ من التحقيق الذي أُجري بتاريخ 4/3/2006 أن الأسمر اشترى «تشارلي» من تاجر حيوانات يدعى نجيب أبو رجيلي. وبعد الاستماع إلى إفادة أبو رجيلي ادّعى أنه اشترى «تشارلي» من مواطن سعودي يدعى عدنان ولم يذكر اسم عائلته لكن أعطى رقم هاتفه الجوّال في جدة.
وفي وقت لاحق تقدم المدير العام لوزارة الزراعة بإخبار ثانٍ، وبناءً على هذا الإخبار طلب النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا «التوسع في التحقيق على ضوء المعطيات الواردة». ويستدل من التحقيق الذي أُجري بتاريخ 12/7/2006 أن طوني الأسمر قد استُدعي إلى التحقيق حيث أدلى بإفادته مجدداً، وادعى الأسمر أحقيّة ملكيته لـ«تشارلي» رغم اعترافه بأنه اشتراه بدون أي أوراق تثبت دخوله الشرعي إلى لبنان. ورفض الأسمر طلب الجهات الدولية مصادرة «تشارلي»، مشيراً إلى أنها «لا تمتلك الحق القانوني بذلك إلّا إذا أثبتت ملكيّتها له». لكنه تعهد أنه سيمتثل لقرار القضاء اللبناني.
«الأخبار» أجرت اتصالاً برقم السعودي الذي أفاد أبو رجيلي أنه اشترى منه «تشارلي». ولقد أجابت زوجته على الاتصال، ولدى سؤالنا عن زوجها قالت إنه خارج المنزل. وأفادت «أن زوجها لم يعد يعمل في تجارة الشِمْبانزِي». ولدى سؤالنا عن «تشارلي» قالت قبل أن تغلق الخط «أفضّل أن يتحدث زوجي في هذا الأمر».
القاضية جوسلين ثابت التي تولت التحقيق في الموضوع قالت في اتصال مع «الأخبار»: «لقد اتخذت قراراً بتعيين الأسمر حارساً قضائياً على الشِمْبانزِي بعدما طلبت من خبراء في وزارة البيئة إجراء كشف حول مكان احتجازه». وأضافت «لقد تعاطى القضاء اللبناني بطريقة حضارية في هذا الملف، وهو لم يغلق بعد، لأننا لم نتثبت من مالكه الحقيقي. الجهة التي تريد الحصول على الشِمْبانزِي عليها أن تنازع أمام المحكمة لا أن تتعاطى مع القضاء اللبناني بالمراسلة».
ماير أكد لـ«الأخبار» أنه سوف يستمر في معركته القانونية حتى النهاية. وأعلن أنه «خصص مبلغ 50 ألف دولار أميركي لضمان ترحيل «تشارلي» إلى واحدة من سبع محميات عالمية مختصة أبدت رغبتها في تبنّيه».
بدوره أعلن رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط استعداد الشركة للإسهام في ترحيل «تشارلي»، نافياً أن يكون قد دخل لبنان عبر الشركة. وأضاف: «قبل 15 عاماً اكتشفنا تهريب ببغاوات وطيور أفريقية نادرة عبر خطوطنا، ومنذ ذلك الوقت تشدّدنا في هذا الأمر».
بدورها أعلنت سومر دقدوق مسؤولة الحملات في رابطة الناشطين المستقلين «اندي آكت» أن الرابطة ستلاحق ملف «تشارلي» حتى النهاية، في سياق حملتها لحث لبنان على توقيع اتفاقية «سايتس» التي تحدّد طريقة الاتجار بالحيوانات البريّة وتنظّمها.