أثار مشروع «الحيطان إن حكت» في الجامعة الأميركية في بيروت حفيظة فناني «الستنسل»، بعدما «طارت» رسومهم تحت ستار «تزيين شارع الحمرا بأشعار تعكس صورة وردية لبيروت بعيداً عن نبضها»
نارمين الحر
يدافع فنان «الستنسل» حامد سنو عن طباعاته في وجه مشروع تنظيف الجامعة الأميركية للجوار. فمشروع «الحيطان إن حكت» طمس، كما قال، حركة شبابية عفوية اتخذت من فن «الستنسل» أداة للتعبير عن ذاتها وتفاعلها مع المجتمع. فتحت شعار تجميل الشارع والحفاظ على نظافته، انخرط طلاب الجامعة، كما تشرح المشرفة الدكتورة سنتيا متري، «في عمل مواطني يهدف إلى تنظيف الحائط من الأوساخ وتزيينه بأشعار وقصائد تكون مصدر وحي للمارّة». هكذا أُزيلت الأوساخ وبعض أوراق الإعلانات ومعها الكثير من أعمال «الغرافيتي» (رسم ورش على الحيطان) والستنسل. و«كتبنا أشعاراً تتغنّى ببيروت»، تقول عليا حاجو، الطالبة في قسم «الغرافيك ديزاين» في الجامعة. فغطت عبارات مثل «يا شارع الحمرا يا شارع الألوان» تصاميم الستنسل التي طبعها حامد في المكان مثل «أم كلثوم وهي تغني بوس الواوا» و«مين شاذ، إمك شاذة، أنا مثلي».

ما هو فن «الستنسل»؟

تعرّف شبكة منتديات الفنون العربية «الستنسل» بالطباعة التي تؤدي إلى استخراج نسخ عدة من كتابات أو رسوم ما بالتكرار، عبر تفريغ الزخارف على ورق مقوّى أو معدن أو أي خامة أخرى مسطحة أو غير مسطحة، قبل أن ترش الألوان حول الأشكال أو ضمنها باستخدام أداة رش بسيطة. أما «الستنسل» فنّاً مستقلاً و«فشة خلق» تحوّل المساحات العامة مع الوقت إلى متاحف في الهواء الطلق، «فظهر في أواخر الستينيات والسبعينيات مع حركة الهبيز والبانك (Punk)»، كما يقول الفنان التشكيلي إيلي أبو سمرا الذي رفض المشاركة في تخطيط الشعارات ووصفها بالجاهزة والرتيبة.
لكن «الستنسل» بات جزءاً من ثقافات بعض المجتمعات مثل الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك، وهو ممنوع في بلدان مثل لبنان، بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 118 الصادر في 30 حزيران 1977، رغم إقبال الشباب والشابات على التعبير عن أنفسهم من خلاله. واستناداً إلى المرسوم، يمنع أي تغيير يطرأ على مظهر المساحات العامة من خلال الرسم أو الطباعة أو أي وسيلة أخرى من دون الحصول على رخصة مسبقة من البلدية، كالتي حصلت عليها الجامعة الأميركية في بيروت. هنا يسأل حامد: «هل تحصل الأحزاب السياسية على ترخيص يشرعن «الستنسل» وتصاميم الشعارات الرنانة الخاصة بها على حيطان لبنان أجمع؟».
تشرح أستاذة «الغرافيك ديزاين» في الجامعة الأميركية لارا قبطان أن «الستنسل بدأ بالظهور في لبنان منذ بداية الحرب الأهلية تعبيراً عن الاحتدام السياسي. لكنه يعبّر في الوقت الحاضر عن مفاهيم سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، فردية أو جماعية، في المساحات العامة». والسبب يعود، برأيها، إلى مواد جامعية جديدة مثل «فن التصميم والمجتمع» تطرح علاقة الفن بالمجتمع وتحث على التفاعل بين الرسم والتخطيط والتصميم من جهة والمجتمع من جهة ثانية.
ومن المتعارف عليه أن فنان «الستنسل» لا يحبّذ الإفصاح عن اسمه. فهو يوقع تصميمه بشعار مثل «النجوم الثلاث» التي تزيل بعض تصاميم «الستنسل» في الحمرا. لكن حامد قرر الإفصاح عن اسمه احتجاجاً على «تغطية أعمال لا تلطخ نظافة الشارع»، كما تقول قبطان وتردف: «إذا كان هدف المشروع تشجيع الناس على التعبير ضمن القانون، كان يجب إشراك فناني الستنسل وهم كثر في جامعتنا».
أما فنانة الستنسل «فكّر، تحرر»، التي آثرت عدم الإفصاح عن اسمها، فتستغرب كيف أن الجامعة الأميركية تريد أن تقوم بعمل مواطني مبنيّ على حسن الجوار، فيما «لم تسأل الجوار ماذا يريد أو يحتاج». وتستدرك: «ربما كان المجتمع يريد نسبة أقل من السيارات أو مباني بطبقات أقل». ثم تعلّق: «تريد الجامعة تسويق صورة جميلة عنها بلا فعل حقيقي».
لكن ما هي القيمة الفنية للتصاميم الجديدة؟ ترى قبطان أن «الخط مروّع ولم يخرج بمنظر مبدع وجميل للعين». يوافقها أبو سمرا الرأي، إذ يرى أن «الشعارات بلا نبض وسخيفة وعبارة عن قوالب جاهزة تنمّط بيروت»، أو أنها «لا تمثّل إعلاناً عن الذات أو تتفاعل مع المحيط، لكونها ليست تلقائية»، كما يقول حامد. لكن عليا ترى أنّ جمالية الشعارات تكمن في بساطتها لكونها تتوجه إلى عموم الناس. وتسأل: «أليس كل ما يقال عن بيروت شعراً؟».
أما متري فتعلّق قائلة: «ما قامت به الجامعة ظرفي ولن يستمر إلى أبد الآبدين، لذا نتوقع أن يتفاعل معه المارّة «العالقون» في «زحمة» السير. وفي هذا الإطار، يبدي غدي حيدر إعجابه بالشعارات، وإن كان يفضل أن تكون «مهضومة أكثر». لكن ما لم يعجب غدي هو قرار إزالة الملصقات الإعلانية التي كان يتابعها في طريقه إلى الجامعة. هنا توضح عليا أنّ المشروع يشجع لصق الإعلانات والتفاعل معها.
أما الأشعار التي يُنتظر أن يتفاعل معها فنانون وفنانات «الستنسل» و«الغرافيتي»، فما زالت إلى اليوم تحمل على حروفها بومة حامد الغاضبة التي تذكر كيف أن «بوس الواوا» صممت خلال جدال محتدم بين حامد ورفاقه حول «أم كلثوم» التي تعلمت الغناء من القرآن ثم غنت عن الحب. فاتفقوا عندها على «أن هذا الأمر فكر تحديثي وتقدمي مقارنة مع هيفاء وهبي التي يعني لها التحديث مماثلة الغرب كيفما شاء». تتذكر بومة حامد وتتمنى أن يعيد السوسن المتدلي فوق الحائط جزءاً من هوية المدينة دائم التكوّن.


متعة المغامرة مع «الستنسل»

يختار فنانو «الستنسل» النزول إلى الشارع الثالثة صباحاً خوفاً تحسباً لدهم القوى الأمنية، وإن كان لجوء القوى إلى إزالة الرسوم يعزز من «أهمية ما نقوم به، لأنّ القانون موجود في معظم دول العالم والجميع يتخطاه»، كما يقول حامد. ويضيف: «الحائط جزء من المدينة قد يحاصر المجتمع أو يكون صوتاً له». وتعلّق إحداهن: «الستنسل عمل سياسي يسمح لي بأن أحتل جزءاً من مساحة في بلد يحاول أن يلغيني».