فرانكو فراتيني وبرنار كوشنيرولم تتوقف فرنسا وإيطاليا عن مساعدة لبنان للخروج من المأزق السياسي الذي وجد نفسه فيه من 2006 وحتى 2008، وعن التذكير بتمسّكهما بالعودة إلى عمل المؤسسات بصورة طبيعية. ولقد حيّا البلدان، في 25 أيار/ مايو 2008، انتخاب الرئيس سليمان بموجب الاتفاق الذي عُقد بين اللبنانيين في الدوحة. ولقد قُطع شوط طويل خلال عشرة أشهر، حيث أُلِّفَت حكومة وحدة وطنية واستأنف البرلمان نشاطه وصُوِّت على إصلاح القانون الانتخابي وبدئ في الحوار الوطني بشأن المسألة الحساسة المتعلقة باحتكار الدولة لاستخدام السلاح.
لكن لا تزال هناك العديد من التحديات التي تجب مواجهتها. والاقتناع المشترك لبلدينا يكمن في أنه ينبغي لسنة 2009 أن تكون بالنسبة إلى لبنان سنة عودة كاملة إلى الاستقرار والازدهار والسلام.
قبل أربعة أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية التي ينبغي لها أن تعزز سيادة لبنان ووحدته واستقراره، إيطاليا وفرنسا مصمّمتان، بالتنسيق مع شركائهما الأوروبيين، على زيادة دعمهما للدولة اللبنانية ومؤسساتها، إذ ينبغي المحافظة على الديموقراطية اللبنانية. كذلك فإننا مستعدون، إذا رغبت السلطات اللبنانية، للمساعدة في تنظيم الانتخابات وحسن سيرها، بما في ذلك عبر إرسال مراقبين، حتى يكون الاقتراع حراً وشفافاً ومطابقاً للمعايير الديموقراطية الدولية.
في الوقت الذي أحيت فيه جماهير حاشدة من الشعب اللبناني، يوم السبت 14 شباط/ فبراير، الذكرى الرابعة لاغتيال رفيق الحريري و22 من رفاقه، تواصل فرنسا وإيطاليا دعم السلطات اللبنانية بحزم في سعيها لاكتشاف الحقيقة ورفضها لمبدأ الإفلات من العقاب. في أيّار/ مايو 2007، عملنا معاً، نحن الإيطاليّين والفرنسيّين، في مجلس الأمن الدولي كي ترى المحكمة الخاصة النور، عبر اعتماد القرار 1757. المحكمة هي هيئة قضائية مستقلّة ينبغي لها أن تعمل في إطار من الكتمان والسَّكينة، بعيداً عن أي استغلال سياسي لها.
وحيث إن الأراضي اللبنانية غالباً ما كانت على مدار 30 عاماً مسرحاً لصراعات الغير، فإننا نؤكد ضرورة بسط سيطرة الدولة اللبنانية بصورة كاملة وشاملة على أراضيها وحدودها وبالتالي، من خلال حوار بين اللبنانيين، ضرورة نزع أسلحة الميليشيات. وإن التدبير الذي اقترحته الأمم المتحدة بشأن قرية الغجر، وكذلك وضع مزارع شبعا تحت وصاية الأمم المتحدة من شأنهما القيام بخطوة كبيرة. وتنوي فرنسا وإيطاليا، من ناحية أخرى، الإسهام في تطبيع العلاقات بين لبنان ومحيطه الإقليمي.
وبالتالي أطلقت بيروت ودمشق، منذ صيف 2008، عملية لتطبيع العلاقات بينهما، ونحن نشيد بهذا الأمر ونشجعه. فهذان البلدان المرتبطان بروابط الجغرافيا والتاريخ ينبغي لهما من الآن فصاعداً أن يتمتّعا بعلاقات متساوية تتّسم بالاحترام المتبادل. لقد أُنشئت علاقات دبلوماسية بينهما، للمرة الأولى، في 15 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وينبغي لهذا القرار التاريخي أن يُترجم قريباً بصورة ملموسة من خلال تبادلٍ للسفراء، ينتظره المجتمع الدولي برمّته.
ولا شك في أنّ قرارنا المتعلّق بتطوير حوار سياسي معزَّز مع سوريا شجّع السلطات السورية على المزيد من الانفتاح على الخارج، ولقد أشاد الاتحاد الأوروبي بهذا التطور عبر استئناف أعمال اتفاق الشراكة. ومن ناحية أخرى، يبدو أنّ التطبيع التدريجي للعلاقات بين دمشق وبيروت يؤكد إرادة سورية في لعب دور إقليمي بنّاء. ونحن نشجّع دمشق على متابعة هذا التقارب الذي لا يمكن إلا أن يكون له آثار إيجابية على تحسين المناخ السياسي في لبنان وفي كل المنطقة.
وإن الالتزام الشخصي للرئيس أوباما لمصلحة حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع الشركاء الأوروبيين، يفتح الطريق نحو تجدد عمل الولايات المتحدة الأميركية لمصلحة الاستقرار في المنطقة.
في الوقت الذي تظل فيه العيون مشدودة إلى مأساة غزة في مطلع سنة 2009 هذه، لا تنسى إيطاليا وفرنسا أنه لن يكون سلام في هذه المنطقة من دون لبنان. إذ كيف يمكن أن ننسى أنه من بيروت تم الإعلان عن المبادرة العربية للسلام، في عام 2002؟ لقد تم الشروع في حوار غير مباشر بين إسرائيل وسوريا عبر تركيا لحل مسألة الجولان والوصول إلى السلام. فلماذا لا تُطلَق عملية كهذه، عندما يحين الوقت وفي إطار إقليمي، بين إسرائيل ولبنان؟
الوقت قصير. والمنطقة لا تحتمل صراعات دموية جديدة ومخلّة بالاستقرار. فالمتوسّط الذي قمنا بعقد اتحاده رمزياً يومي 13 و14 تموز/ يوليو الماضي بحاجة إلى الاستقرار والسلام، اللذين من شأنهما فقط أن يقدّما الازدهار لشعوب المنطقة كافة. يمكن لبنان وينبغي له أن يكون مثالاً. نحن، الفرنسيّين والإيطاليّين، سنتابع مع الاتحاد الأوروبي عملنا بتصميم كي يبقى لبنان نموذجاً للتعايش والديموقراطية والتسامح التي يحتاج إليها المتوسّط.

(يُنشَر هذا المقال في الوقت نفسه في صحيفة «لو موند» الفرنسيّة وصحيفتَيْ «الأخبار» و«أوريان لو جور» اللبنانيّتين).
* وزيرا خارجيّة إيطاليا وفرنسا