دروس لبنان 2006 برسم التعميم في الحروب المقبلة
ثائر غندور
رغم أنّ كتاب محمّد خواجة «الشرق الأوسط تحوّلات استراتيجيّة»، أُنجز قبل الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة، فإنّه يقدّم مقاربة لأساليب القتال التي تعمل عليها فصائل المقاومة الفلسطينيّة... وقد صحّت هذه القراءة. كتاب من الحجم الكبير، يحوك فيه معلومات وتحليلاً ومقارنات، من سوريا إلى إيران وموقعة تموز اللبناني، وصولاً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليخلص إلى ما مفاده أنّ هزيمة إسرائيل، عسكرياً على الأقل، ممكنة. غير أنها إمكانية تبقى مشروطة بالتحضير الجدي والطويل.
كتاب «يضيء على الفترة الزمنيّة الممتدّة من لحظة وقف الأعمال القتاليّة على الجبهة اللبنانيّة في 14 آب 2006 حتى تاريخ نشره». إذاً، هو دعوة إلى قراءة التحوّلات التي حصلت في كل من إسرائيل، سوريا، إيران، فلسطين ولبنان. دعوة إلى قراءة نتائج هذه الحروب والاستفادة من نتائجها لتبيان عوامل القوّة والفشل، من موقع يرى أن إسرائيل عدو، وأن التسوية معها مجرّد سراب، لذلك يبقى خيار المقاومة المسلّحة أساسياً.
من منطلق ضرورة فهم قدرات العدو العسكريّة، وطريقة تفكيره وإعداده لاستراتيجيّته العسكريّة، يغوص خواجة، في تفاصيل الواقع العسكري الإسرائيلي منذ نشأة هذا الكيان حتى يومنا هذا، مستعرضاً المراحل التي مرّ بها، والحروب التي خاضها في وجه العرب. ويشرح العوامل التي أدّت إلى اعتماد إسرائيل استراتيجيّتها العسكريّة وهي: نشأتها، كدولة قامت على حساب شعب آخر وعلى التطهير العرقي، ودورها كممثّل للاستعمار بين بلاد الشام ومصر والمغرب العربي، وصغر مساحتها الجغرافيّة الذي دفع قادتها إلى اعتماد استراتيجيّة هجوميّة تسمح بنقل المعركة إلى أرض العدو بسبب افتقارها إلى العمق الاستراتيجي. أما عدد سكّانها القليل مقارنةً بعدد العرب، فدفعها إلى رفع شعار «كل الشعب جيش»، وإلى مراعاة مبدأ الاقتصاد بالقوة، أمّا كونها دولة متقدمة صناعياً وزراعياً، فدفعها إلى تبني نظريّة الحرب الخاطفة.
ويستعرض الكاتب حرب عام 1956 ودروسها الإسرائيليّة، في تقوية سلاحي المدرعات والقوات الجويّة. ثم حرب حزيران 1976، التي مثّلت «النموذج المثالي لتطبيق الاستراتيجيّة العسكريّة الإسرائيليّة». ويشير إلى أن حرب عام 1973، كانت الوحيدة التي بادر إليها العرب، لكن في نهايتها، حقّق الجيش الاسرائيلي «نجاحات مهمّة مستفيداً من الأخطاء الاستراتيجيّة التي ارتكبتها القيادة السياسيّة المصريّة». ويعرض الكاتب للمراتب القياديّة في جيش العدو، وطريقة إعداد القادة العسكريين وآليّات الترقي والوضع البدني لجنود العدو.
ثم يفرد خواجة فصلاً كاملاً للتفكير العسكري الإسرائيلي، الذي «شهد تبدلات عديدة خلال العقود الماضية من دون المس بجوهره المستند إلى القوة المفرطة». ويلفت إلى أنّ أسلوب التفكير هذا، تعرّض إلى صدمة قويّة زعزعت مفهومي الردع والأمن في حرب تموز 2006. لذلك، يعرض الكاتب لتفاصيل النقاش والخطط الإسرائيليّة لتجاوز هذه الصدمة. وبعدها يخوص في منظومة التسلّح «للقلعة العسكريّة» كما يسمي البعض إسرائيل، لكونها «دولة مسلّحة حتى أسنانها، فهي تمتلك أحد أكبر جيوش العالم نسبة إلى عدد سكّانها»، وهي دولة فيها ما يقارب 150 شركة صناعية عسكريّة تملك الحكومة الجزء الأكبر منها.
يهدف الكاتب من عرضه هذا القول إلى تبيان أن حرب تموز أدّت إلى إحداث تغييرات مهمّة في إسرائيل شملت مستويات عدّة.
ماذا عن الجانب العربي؟ هنا يُضيء الكاتب على الجبهتين «المقاومتين»، أي لبنان وسوريا، «التي، على الرغم من حالة الانهيار العربي وتبدل أولويات الأنظمة، ما زالت تعتبر نفسها معنيّة بالصراع ضد الدولة العبريّة، التي تحتل جزءاً من أرضها، فضلاً عن التزامها القومي تجاه القضايا العربيّة، وخاصة قضيّة فلسطين».
ويُشير إلى أن تبدلات قد استجدّت في سوريا بعد حرب تموز 2006، وكيف أنّ السوريين استخلصوا من هذه الحرب، أنّ إسرائيل قابلة للهزيمة، ولذلك باتوا يعملون على إعداد جيش مختلف، ويستعين بكلام لوزير الدفاع الأسبق شاوول موفاز الذي قال: «سوريا ما بعد تموز ليست سوريا ما قبل تموز».
ويرى الكاتب أنّ السوريين أصبحوا أكثر جرأة واستعداداً لمواجهة أي عمل عدواني تقدم عليه إسرائيل ضدّهم، وأن سوريا أعدّت جيشها وفقاً لاستراتيجيّة الحرب الكلاسيكيّة، وسعت إلى بناء جيش بري مناور، وهي مهمّة كانت مستحيلة، ما دفع سوريا إلى التمسك بالمفاهيم القتالية الدفاعية وتفادي أي مواجهة مع إسرائيل تكون غير ضروريّة، ولو في إطار الدفاع عن النفس، ودعم الحركات المسلحة المناوئة لإسرائيل، عبر تبني نظريّة «المواجهة غير المباشرة».
لكن حرب تموز، برأي خواجة، مثّلت للقيادة السوريّة مؤشّر «هداية» لصوابيّة الخيار المعتمد على حرب العصابات، وهي تعدّ جيشها لهذا النوع من القتال وفقاً لنمط «القتال الثالث» القريب من حرب العصابات. ويبحث خواجة في منظومة التسلّح السوريّة، لافتاً إلى تركيزها على الصواريخ المنحنية بعدما تبيّن مدى فعاليتها في تموز 2006.
ويبحث في فرضيّة نشوب حرب على الجبهة السوريّة، رغم الهدوء وعمليّة التفاوض الجارية بين الطرفين، لكنّه يلفت إلى عدم قدرة سوريا على المبادرة وشنّ حرب هجومية لتحرير أرضها، لافتقادها عاملين:
ــ سلاح جو حديثاً، يضاهي نظيره عند إسرائيل. ــ تأمين شريان دعم لوجستي يضمن تدفّق الأسلحة والذخائر أثناء سير العمليات العسكريّة، كالشريان الذي وفره الاتحاد السوفياتي في حرب 1973.
ويرجّح أن تعتمد سوريا، في حال نشوب هجوم إسرائيلي عليها، على استراتيجيّة مثلثة الأضلاع: ـــ توزيع وحدات الدفاع الجوي وخاصة منصات الصورايخ المضادة للطائرات على الأماكن والمنشآت الحيوية ومراكز انتشار القوى العسكريّة الأساسيّة على الجبهة. و ـــ قصف العمق الإسرائيلي بطاقة نارية هائلة من خلال إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف المدفعيّة ذات المدى المختلف. و ـــ نشر قواتها البريّة بطريقة تحميها من النار المعادية قدر المستطاع، لكي تكون معافاة ومستعدة لملاقاة القوات الإسرائيليّة في حال اندفاعها داخل الأراضي السوريّة.
كما يلفت إلى استمرار عمليّة التفاوض بين الطرفين وخصوصاً عبر الأتراك، «رغم أنها غير مستعدّة لإنجاز صفقة سريعة على حساب تحالفها القائم مع إيران وقوى المقاومة».
ويبحث خواجة في الدور الإيراني وتطور الجمهورية الإسلامية عسكرياً منذ ثورتها. ويشير إلى أن خلافها مع إسرائيل بات يتمحور حول 3 نقاط: ـــ الجهد النووي الإيراني وتخوّف إسرائيل من تداعياته على حصرية امتلاكها السلاح النووي في المنطقة. ـــ تطور القدرة العسكريّة الإيرانيّة التقليديّة، وخصوصاً الصواريخ البالستيّة. ـــ تزايد الدور الإيراني في الصراع العربي ــ الإسرائيلي عبر التحالف مع سوريا ودعم حركات المقاومة.
ويركّز الكاتب في بحثه، على تطوّر منظومة التسلّح الإيرانيّة وملفها النووي وسيناريوهات الحرب عليها، ومصلحة إسرائيل في ذلك، ودورها في الحرب المحتملة ونوع الردّ الإيراني.
* من أسرة الأخبار


العنوان الأصلي
الشرق الأوسط تحوّلات استراتيجيّة

الكاتب
محمد خواجة

الناشر
دار الفارابي