حتميّة ثورة عربيّة مع جرعة كبيرة من «التنظير»
نادر فوز
يهدي الكاتب الجزائري الماركسي، حسين بللوفي، كتابه الأول «لذكرى جورج حبش الذي مات ولم يتنازل». ويفسّر هذا الإهداء، تواتر مجموعة من العبارات، ظننّا أنّ الكتّاب يئسوا من الحديث عنها: حركات التحرّر العربي، الإمبريالية، الأنظمة البورجوازية، الحركات العمالية... فلا يتفاجأ القارئ.
يجول بللوفي في عنوان «الشرق الأوسط الكبير، حروب أم سلام»، ليخلص إلى إقناع قارئه بمدى الحاجة إلى ثورة عربية جديدة. قراءة قد يلاحظ القارئ على أثرها، أنّ بللوفي، كسائر الرفاق العرب، سقط في فخ التنظير والطوباوية، بعيداً عن الواقع السياسي والأيديولوجي والاجتماعي القائمين.
يخصّص الكاتب الجزء الأول من الكتاب، للحديث عن حرب تموز 2006، أو «الحرب السادسة، واستمرارها بوسائل أخرى». ولا ينفك عن الدفاع عن «المقاومة اللبنانية» (مشدداً على هويتها اللبنانية)، مؤكداً انتصارها في هذه الحرب. ثم يطرح مجموعة من الأسئلة بشأن حزب الله: «هل حزب الله إسلاموي؟ هل المقاومة في لبنان إسلاموية؟ أي موقف يجب على القوى المناهضة للإمبريالية، العلمانية والتقدمية، أن تتخذه إزاء المقاومة وحزب الله».
وقع بللوفي في الخطأ عندما استطرد وكتب «هذه الأسئلة الثلاثة لا تثير أي جدال في لبنان بالذات»، على اعتبار أنّ النقاش بين الشيوعيين والعلمانيين والوطنيين، تمحور حول هذه العناوين الثلاثة بالذات، خلال السنوات الأربع الماضية.
يدافع بللوفي عن حزب الله بشراسة، على اعتبار أنه تنظيم يضم كل الفئات الاجتماعية «وأكثر تحسساً بمصالح صغار الفلاحين والفئات البورجوازية الصغيرة التقليدية...». كما يقول إنّ القاعدتين اللتين ينتمي إليهما الحزب هما «الإسلاموية الشيعية (الثورة الإيرانية) والقومية (القضية الفلسطينية)».
يستشهد بللوفي بمقابلة لعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني، ماري الدبس، مع إحدى الأسبوعيات الفرنسية، فينقل عنها أنّ أداء حزب الله تغيّر، بعد حملة الاعتداءات وعمليات اغتيال الرفاق، مع انتهاء الحرب الأهلية وتركيز حزب الله جهوده لمواجهة إسرائيل. ليكمل أنّ مفهوم «الدولة الإنسانية» بدل الدولة الإسلامية، الذي أطلقه الإمام محمد حسين فضل الله، دخل فلك حزب الله مع وصول السيدّ حسن نصر الله إلى الأمانة العامة وأبدى انفتاحاً واضحاً.
ويورد بللوفي ثلاثة براهين لنقض هواجس أهل اليسار والتقدمية باعتبار حزب الله حركة إسلاموية أصولية تسعى إلى تطبيق نظام ديني في لبنان: الواقع القوي للطوائف في لبنان التي لا تسمح بأي شكل تبدّل للنظام. تطوّر الثقافة السياسية في لبنان وديموقراطيته النسبية. وأخيراً، استحالة التناغم بين خطاب مدني على الأقل ومشروع ثيوقراطي «وخير دليل على الأمر وجود جناحين داخل حزب الله. وعرفت قيادته أزمات وانشقاقات»، بحسب مراجع عدة اعتمد عليها الكاتب.
ورغم تسمية حزب الله لنفسه مقاومة إسلامية، يصرّ بللوفي على تجريد هذه الصفة عن الحزب، محمّلاً الإسرائيليين والإمبرياليين مسؤولية هذا الالتباس. ويكمل دفاعه الشرس: فتصنيف حزب الله يجب أن يكون على أساس «من تقاوم، وما تقاوم، ولأجل أي هدف تقاوم».
وبموازاة هذه الحملة الدفاعية عن الحزب، يتوجه بللوفي إلى القوى التي ينتمي لها فكرياً، مشدداً على ضرورة التحلي باليقظة وعدم إعطاء حزب الله أي تنازل سياسي وإيديولوجي، ضرورة محافظة كل طرف على تنظيمه، «إلا أنه لا يجوز خلال مواجهة أعداء أقوياء، الإقدام على أبلسة قوة تلعب دوراً هاماً في مشروع المقاومة».
وفي نهاية حديثه عن حزب الله، يشبّه الصحافي الجزائري، محاولة نزع سلاح الحزب، بمحاولة نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في لبنان خلال الحرب الأهلية: أي إنّ الهدف هو القضاء على القضية العربية المركزية.
ويتناول بللوفي، وضع لبنان، واستحالة التوصل إلى تسوية فيه. ويعرض مجموعة من الأحداث التي هبّت فيه منذ ستينيات القرن الماضي، وصولاً إلى صدور القرار 1701 الذي يشرّحه دون تقديم أفكار جديدة بشأنه. وفي حديثه عن الوضع السياسي اللبناني، يركّز على ضعف المعارضة اللبنانية (الأقلية النيابية) بسبب عدم تبنيها برنامجاً وطنياً وديموقراطياً للحكم، يتضمن إلغاء الطائفية والاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية. فيما يؤكد على موقف الحزب الشيوعي الذي بقي خارج الاصطفافات، وما زال يدافع عن المقاومة والدولة المدنية والقضايا الاجتماعية.
وخصّص بللوفي الجزء الثاني من كتابه، للحديث عن المشروع الأميركي في الشرق الأوسط، في الأهداف والإخفاقات، والنجاحات والأساليب... فيتحدث عن النقاط الجغرافية لهذا المشروع، من أفغانستان إلى السودان مروراً بالعراق ودور إسرائيل، ليخلص إلى نتيجة، أنه رغم هذه الإخفاقات، لم تزل الإمبريالية في طور الهجوم على المنطقة، بانتظار أن تنتقل «شعوب المنطقة إلى هجوم مضاد».
أمّا الجزء الأهم من هذا الكتاب، فهو الحديث عن ثورة عربية جديدة. يشير بللوفي إلى مجموعة من الركائز التي تستند إليها حركات التحرّر في المنطقة: إسرائيل، السيطرة الإمبريالية المباشرة، الأنظمة الرجعية. ويعدّد هذه الحركات من المغرب العربي وصولاً إلى أفغانستان، منظمات ودولاً، عبر التاريخ ومكامن الفشل في كل منها.
ويشدّد على وجود عوائق عدة، منها اختلاف أساليب المقاومة، واختلاف الأيديولوجيا السياسية، والأهداف والمشاريع السياسية. فيما العدو واحد متمثّل بتحالف الأنظمة الإمبريالية مع إسرائيل.
وفي حديثه عن جدلية الثورة العربية الجديدة، ينطلق بللوفي من الاستراتيجيا السابقة للثورة العربية، كما حدّدتها القوى اليسارية الفلطسينية، فيشير إلى أنّ هذه الثورة تحدّدت بثلاث خصائص: ارتباط إسرائيل بالإمبريالية، الطابع الاستيطاني للمشروع الإسرائيلي، طرد الفلسطينيين وتوسيع الأراضي الإسرائيلية. وأصرّ على اعتماد الفلسطينيين خيار الحرب الشعبية الطويلة، ودفع إسرائيل إلى احتلال مناطق عربية غير فلسطينية، بهدف توسيع رقعة المواجهة مع الإسرائيليين، وهو ما جاء في وثيقة 1970 التي وقعت عليها كل الفصائل الفلسطينية. ثورة لا تكتمل إلا مع النضال بوجه الأنظمة العربية الرجعية، بما فيها تلك التي تضطهد شعوبها بذريعة أنها «دول ممانعة»، إضافة إلى مواجهة التيارات الأصولية غير الديموقراطية، كما في العراق وأفغانستان.
* من أسرة الأخبار


العنوان الأصلي
الشرق الأوسط حروب
أم سلام؟

الكاتب
حسين بللوفي

الناشر
الناشر دار الفارابي
لـ editions