أعلن مسجّل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، روبن فنسنت، أمس، أن كلفة تشغيل المحكمة ستتجاوز في العام الأول مبلغ 51 مليون دولار، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أكّد له أن لبنان سيسدّد ما يجب عليه في هذا الإطار، أي نحو نصف المبلغ. ورغم ذلك، لم يكتمل تجهيز مبنى المحكمة في لايتسكندام بعد، بما في ذلك قاعة المحاكمة ومكان توقيف المتهمين
لاهاي ـــ عمر نشابة
«كنت أتمنى أن يكون الموعد (موعد انطلاق المحكمة الخاصة بلبنان) في الأول من حزيران لأن ذلك كان سيوفر لنا مزيداً من الوقت للتحضير». قال مسجّل المحكمة الخاصّة بلبنان روبن فنسنت، الذي تنبّه سريعاً إلى حساسية ما قاله. فالأمين العام للأمم المتحدة الذي عيّن فنسنت في مركزه، كان قد حدد الموعد في الأول من آذار، ما دفع المسجّل إلى التعقيب سريعاً: «جدياً. طبعاً نحن جاهزون». كلام فنسنت كان أمس رداً على أحد الصحافيين اللبنانيين الذي سأله: «هل يمكننا الحصول على برنامج يوم الافتتاح… الأول من حزيران؟» قبل أن يصحّح الأخير التاريخ: «الأول من آذار»، موعد انطلاق عمل المحكمة.
في مبنى أشبه بورشة عمار، اجتمع إعلاميون لبنانيون وأجانب أمس، بهدف استيضاح بعض الأمور الإجرائية المتعلّقة بالمحكمة الخاصة بلبنان، في مؤتمر صحافي تحدّث فيه كل من روبن فنسنت وزملاؤه الثلاثة: منسّق مكتب الدفاع يوني ماس ورئيس العلاقات العامة للمحكمة بيتر وكواير فوستر والمتحدثة باسم المحكمة سوزان خان. تمّ اللقاء في ملعب رياضي كان يستخدمه رجال الاستخبارات الهولندية للتمرين قبل تسليمهم المبنى إلى الأمم المتحدة لتحوّله مقرّاً للمحكمة الدولية.
الأشغال لم تكتمل رغم انطلاق عمل المحكمة رسمياً يوم الأحد المقبل. فالعمال المنتشرون في محيط المبنى وفي بعض أرجائه ينفّذون أشغالاً قال فنسنت إنها قد لا تنتهي قبل شهر تشرين الثاني المقبل، رغم توفّر الأموال اللازمة لذلك. وأعلن فنسنت أن «ميزانية العام الأول للمحكمة هي 51 مليوناً و400 ألف دولار أميركي. لدينا هذا المبلغ، والحكومة اللبنانية مسؤولة عن تأمين 49 في المئة من هذا المبلغ. وعندما كنت قبل أسبوعين أتحدث إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في بيروت، لم نكن بحاجة إلى أي تأكيد بشأن ذلك، لكنه أكّد لي أن المساهمة اللبنانية ستتم بالكامل». وأضاف مسجّل المحكمة أن اللبنانيين «دفعوا مبلغاً جيداً بانتظار إصلاح الميزانية نهائياً» (awaiting for the budget to be finally fixed) قاصداً إقرار قانون الموازنة في لبنان.
اللافت هنا أن الأمين العام للأمم المتحدة، في الفقرة 22 من تقريره عن إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان المقدّم إلى مجلس الأمن الدولي يوم 30 أيار 2007، كان قد قدّر تكاليف المحكمة للسنة الأولى بـ«35 مليون دولار».
أما بما يخصّ نسبة الـ51 في المئة الباقية من التكاليف، فأكد فنسنت أنها متوفّرة بالكامل. وكان لافتاً ذكره في هذا السياق أن وزيرة الخارجية الأميركية تعهّدت بدفع 6 ملايين دولار بعدما سدّدت بلادها 14 مليوناً من تكاليف العام الأول، من دون أن يشير فنسنت إلى مساهمات الدول الأخرى.
وخلال اللقاء الإعلامي، أكّد فنسنت ما كان قد ذكره القاضي شكري صادر في بيروت من أن المحكمة الخاصة بلبنان لن تعمل تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعطي مجلس الأمن الدولي حق استخدام القوة العسكرية لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه، وذلك بعد استنفاد كل الإجراءات غير العسكرية الهادفة إلى تنفيذ قراراته. لكنه شدّد على أن المحكمة قد تطلب من مجلس الأمن إصدار قرارات تلزم جميع الدول بالتعاون مع طلباتها.
وبما يخصّ التوظيف، أشار فنسنت ألى أن 6 آلاف مرشّح تقدّموا بطلبات توظيف في المحكمة الخاصة بلبنان، وأن لجنة الإدارة وافقت على توظيف 305 أشخاص يتوزّعون على أقسام المحكمة الأربعة: الادّعاء (نحو مئة) والدفاع (لم يحدد بعد) وأمانة السرّ (نحو 170 بمن فيهم عناصر الأمن والحماية) والقضاة (نحو 85). ويذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة كان قد ذكر في تقريره المشار إليه آنفاً أن «المحكمة الخاصة ستحتاج إلى ما بين ٤١٥ و٤٣٠ وظيفة».

الدفاع بمثابة الادّعاء

وأوضح فنسنت أن المكتب الذي يتبع للمحكمة في بيروت سيستخدم لفريق التحقيق التابع لمكتب المدعي العام دانيال بلمار، وأن فريق الدفاع يمكنه استخدام المكتب في إطار عمله. من ناحيته، شرح منسّق فريق الدفاع، ماس، أن على جميع الدول والأشخاص التعاون مع طلبات الدفاع واعتبارها بمثابة طلبات المدّعي العام الدولي. وعن رئيس فريق الدفاع قال ماس إن الأمين العام للأمم المتحدة سيعيّنه بالتشاور مع رئيس المحكمة، بعد انتخاب الأخير. وأفاد ماس أن المحكمة ستؤمن الدفاع للمتهمين الذين لا يمكنهم تسديد كلفة تعيين محامين، وأنه يعمل حالياً على وضع لائحة بالمحامين الذين سيتولّون هذه المهام.

افتتاح مرتقب؟

«كنّا أمام خيارين»، قال فوستر، «إما أن ندعو الجمهور إلى حضور حفل الافتتاح يوم الأحد المقبل أو أن نوجّه الدعوة حصراً إلى إعلاميين وبعض الدبلوماسيين، فاخترنا الأخير»، مشدّداً على أن ذوي الضحايا ليسوا مدعوّين. وشرح فنسنت أن افتتاح يوم الأحد هو مجرّد إعلان انطلاق العمل الإداري رسمياً، أما التحقيقات فهي مستمرّة بإشراف بلمار الذي سيطلب من القضاء اللبناني التنازل عن صلاحياته في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في غضون شهرين. الخطوة التالية بعد انطلاق العمل الإداري ستكون إعلان أسماء القضاة، لكن ذلك لن يحصل يوم الأحد كما أوضح فنسنت. وبعد إعلان أسماء القضاة اللبنانيين والدوليين، سينتخبون رئيس المحكمة من بينهم، على ألا يكون من القضاة اللبنانيين (بحسب نظام المحكمة). ومن ثمّ على القضاة التصويت على نظام الأدلة والإجراءات، الذي وُضعت، بحسب ماس، مسوّدة عنه. غير أن ماس نفسه قال إن تعيين محامين في مكتب الدفاع يتمّ حالياً على أساس المسوّدة، ظنّاً أنها ستُعتمد بدون أية تعديلات.