جورج إدوار سلوانللفاعل السياسي هاجس يتآكله وهو القلق نحو الشأن العام، نَفْسهُ منشغلة بموضوع التغيير في الواقع المجتمعي. تشدّه أحوال المجتمع الإنساني وتطوراته وما يشوبه من اضطرابات وقهر واستغلال وفساد وعجز. يتمحص في التفتيش عن الجواب على السؤال بشأن النظام الفكري والأخلاقي والسياسي المؤهل للارتقاء بمجتمعه والوسائل الكفيلة بإنفاذ هذا النظام. فتأتي الخيارات السياسية التي يجازف من خلالها في عمله السياسي، فهو جهد مبذول في تقرير خيارات سياسية بعينها وفي طريق إنفاذها لتغيير مجرى الوضعية السائدة.
يقدم الفاعل السياسي على دعوة الشعب للخروج من قيوده الطائفية، المذهبية، المناطقية والمحسوبية.
إن حركة التاريخ هي فعل إرادة الشعب العاملة على احترام نواميس الوجود المجتمعي الإنساني.
إن العمل السياسي هو تصدٍّ للفساد من خلال التعرض للقواعد والمعايير التي تسبب الفساد ومن خلال تثبيت بنية فكرية أخلاقية. تعددت الشرائح والتنظيمات في مجتمعنا اللبناني: موزاييك اجتماعي، فكري، طائفي، مذهبي ومناطقي...
لذلك أفلا يجب أن يكون فكر وتنظيم يتصدى لمرض التفكك في التلاحم الوطني والشرذمة الاجتماعية؟
هل ننسى أنه في أواخر العهد العثماني برزت في لبنان حركات فكرية وسياسية أسّست للنهضة الفكرية العربية وتفاعلت مع الفكر الأوروبي. إنّ الحل يستوجب التسامح الفكري والديموقراطية في التربية للمحافظة على وحدة المجتمع بسبب تعدد المذاهب دون طمس الفوارق، حتى لا يعيش المجتمع برعب وإرهاب فكري.
من الطبيعي تعدّد المدارس الفكرية والصراع الديموقراطي، إذ إن التعددية هي القاعدة الطبيعية وليس المجتمع مطلق التجانس.
يفتقد لبنان للأسف بسبب الحرب الأهلية وتداعياتها الاجتماعية والسياسية إلى
حلقات ومدارس فكرية سياسية. لكن العمل السياسي أصبح انضواء انفعاليين وطموحين إلى شبه أحزاب ومحسوبيات تنمّي لدى الناس العاديين عداءً وحقداً وخصومات دون مبرر عقلاني، فتُلقى الاتهامات جزافاً عن العمالة والخيانة، وكأن وجود زعيم يتنافى مع وجود زعيم آخر.
أن تعود الأحزاب والمدارس والحلقات الفكرية السياسية ليست هي بظاهرة مرضية بل تغيير موضوعي لواقع المجتمع. ولكن الحركات السياسية تحتاج إلى حد أدنى
من أخلاق حتى لا تصبح «دُكاناً للقذارات». للأسف، إنّ وعظ «الكبار» سهل، بينما تصرفاتهم تؤكد أنّهم في أحطّ أدوارهم.