قضى أحمد ومحمود عبد العال، وابراهيم جرجورة، أكثر من 3 سنوات في السجن. فما نُسِبَ إليهم أقسى من أن يحتمل: اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقبل 4 أيام على انطلاق عمل المحكمة الدولية، أخلي سبيلهم بكفالات مالية زهيدة
حسن عليق
«إخلاء سبيل موقوفين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري». كان الخبر صباح أمس مشابهاً، في سرعة انتشاره، لخبر توقيف الضباط الأربعة يوم 30 آب 2005. لم يطل الأمر حتى بانت أسماء المعنيين بقرار الموافقة على طلبات إخلاء السبيل الذي أصدره المحقق العدلي القاضي صقر صقر: الشقيقان أحمد ومحمود عبد العال وإبراهيم جرجورة.
الأخوان عبد العال أُوقِفا يوم 28/10/2005، بعدما «اشتبهت» لجنة التحقيق الدولية في ضلوعهما بالمشاركة في اغتيال الحريري. ففي التقرير الأول الذي أصدرته لجنة التحقيق الدولية، عندما كانت برئاسة الألماني ديتليف ميليس، حضر الأخوان عبد العال في أكثر من 10 فقرات، وخُصِّص فصل كامل بعنوان «أحمد عبد العال». وخلص ميليس في الفقرة 214 من التقرير الأول إلى القول: «إن الأدلة تجعل أحمد عبد العال شخصية أساسية في أي تحقيق جار». وفي التقرير الثاني، أعاد ميليس تأكيد الخلاصة ذاتها.
أما جرجورة، فكان قد ظهر بداية عام 2006 على شاشة إحدى المحطات التلفزيونية ليقول إن أحد النواب اللبنانيين دفعه للإدلاء بإفادة كاذبة عن دور سوريا والضباط الأربعة في الجريمة. وحينذاك، سلّم جرجورة نفسه للقضاء اللبناني الذي أوقفه بتهمة الإدلاء بمعلومات كاذبة.
أبرز ارتدادات خبر إخلاء سبيل الموقوفين المذكورين كانت في منطقة برج أبي حيدر في بيروت، المعقل الرئيسي لجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) التي ينتمي إليها الأخوان عبد العال. نزل أعضاء من الجمعية ومناصرون لها إلى الشارع محتفلين بالحدث، بعد 3 سنوات قضوها وأصابع الاتهام موجهة إلى جمعيتهم بالضلوع في اغتيال الحريري. أطلق شبان النار في الهواء ابتهاجاً، وصار الجمع يكبر بانتظار الشيخين المسجونين. «هذا تأكيد لبراءتنا»، يقول أحد أعضاء الجمعية قبل أن يقاطعه شبان بهتافات تشبه ما كان يردده أنصار القوات اللبنانية حين كان سمير جعجع في السجن: براءة براءة... عبد العال براءة.
أكثر المنتظرين كانوا من الشبان ومن فتيات الجمعية اللواتي يمكن تمييزهن من شكل حجابهن، يهتفون لجمعيتهم، فيختلط الديني بالسياسي. يعودون في أحد الهتافات إلى فكرتهم الأولى التي تفرّقهم عن سلفيي أهل السنّة: الله موجود بلا مكان. ينادي أحدهم باسم «أبي عمر»، رئيس الجمعية الشيخ حسام قراقيرة، فيردد من يتحلّقون حول قارع الطبل: لبيك يا حسام....
من وقت إلى آخر، يظهر مسلّح ليطلق النار في الهواء، ومعظم الأحيان تزامناً مع المفرقعات النارية. أحدهم كان يرتدي بزة أنيقة عندما خرج من مدخل أحد المباني واضعاً قناعاً على وجهه، ويطلق رشقاً من بندقية كلاشنيكوف، ثم يعود ليتوارى حيث أتى. ازداد عدد المحتشدين بعيد الخامسة من بعد الظهر، إذ إن الجميع تيقّن من خروج الشيخين من سجن رومية. بدا الجمع مغتبطاً بإزاحة حمل دم الحريري عن كاهل الجمعية، والذي حُمّلَته طوال السنوات الثلاث الماضية، رغم تأكيد الأحباش الدائم لبراءتهم والأخوين عبد العال مما نسب إليهم.
قرابة الخامسة والنصف، تدخل سيارة زجاجها أسود قاتم إلى المبنى الملحق بمسجد برج أبي حيدر. لا يسمح الحبشيون لأحد باللحاق بها. يحصل هرج ومرج بين المتجمّعين الذين يؤكدون أن سجينيهما المحررين وصلا، وأنهما زارا «المقام»، أي مكان دفن شيخهم الراحل عبد الله الهرري الحبشي. بعد قليل، يخرج النائب السابق عدنان طرابلسي ليتحدّث إلى الصحافة. يحمد الله على ما جرى، ويعلن أنّ الأخوين عبد العال باتا «في مكان آمن»، وأنّ الجمعية ستقيم احتفالاً للمناسبة غداً (اليوم).
محاولات لقاء الأخوين عبد العال تبوء بالفشل، إذ يؤكد المسؤول الإعلامي للجمعية عبد القادر الفاكهاني أنه لا يعلم مكان وجودهما.
يصدر عبر مكبّر الصوت نداء للمتجمّعين، «الجمعية تطلب منكم مغادرة المكان، إما إلى المسجد وإما إلى منازلكم، وغداً (اليوم) سيكون لنا لقاء عند الثالثة بعد الظهر»، فينفضّ الجمع سريعاً.
هذا في برج أبي حيدر. أما في سجن رومية، فبقي الموقوف الثالث إبراهيم جرجورة أسير زنزانته، ومن دون طبل وزمر. فهو سوري الجنسية، وينبغي بعد دفع الكفالة المالية تسليمه للمديرية العامة للأمن العام التي ستبحث في شروط إقامته في لبنان. وفي هذه الحالة، يكون القرار مبنياً على رغبته في البقاء في لبنان أو العودة إلى بلاده. وقد رحّبت جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية بإخلاء سبيل الأخوين عبد العال، فيما نفى مسؤولها الإعلامي عبد القادر الفاكهاني ما تردّد، أمس، عن وجود صفقة سياسية ـــــ انتخابية بين الجمعية وتيار المستقبل أدّت إلى صدور القرار. وأكّد الفاكهاني لـ«الأخبار» أن «هذا الكلام غير وارد من قريب ولا من بعيد»، شاكراً القضاء اللبناني على قراره.


مقتضيات التحقيق

سبق قرار الإفراج عن الأخوين عبد العال وإبراهيم جرجورة إخلاء سبيل الموقوفَين في القضية ذاتها، أيمن طربيه ومصطفى مستو، يوم 7 آب 2008. لكنّ قرار القاضي صقر صقر الصادر أمس فاجأ الأوساط القانونية والسياسية المتابعة للملف، وبينها جمعية المشاريع، لعدد كبير من الأسباب، أبرزها الانتماء السياسي للأخوين عبد العال وما ورد عنهما في تقريري ميليس، فضلاً عن قرب انطلاق عمل المحكمة الدولية. أما القاضيان سعيد ميرزا وصقر صقر، فاكتفيا لدى سؤالهما عن التعليل القانوني للقرار، وتوقيته بعد انقضاء أكثر من 3 سنوات على التوقيف، بالقول إنه «ناتج من مقتضيات التحقيق».