أكّد وزير العدل، ابراهيم نجار، أمس، أن القضاء اللبناني سينصاع لطلبات المحكمة الدولية. أما في لاهاي، فثمة من يبحث في جانب قانوني «مبهم» يتعلّق ببعض آليات انتقال اختصاص النظر في اغتيال الحريري من القضاء اللبناني إلى الدولي
لاهاي ـــ عمر نشابة
اعتقل عدد من الأشخاص عام 2005 للاشتباه فيهم بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومنذ ذلك الحين فُتح سجال حول قانونيّة الاعتقال الذي استمرّ لثلاث سنوات قبل انطلاق المحاكمة، خلافاً للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي كان لبنان قد تعهّد باحترامه.
أيام قبل انطلاق عمل المحكمة الدولية الخاصة في القضية، أطلق المحقّق العدلي اللبناني سراح من بقي من الموقوفين المدنيين وردّ طلب إخلاء سبيل اثنين من الضباط الأربعة الموقوفين. وترافقت خطوة المحقّق العدلي مع تزايد الحديث عن نقل الضباط إلى لاهاي في غضون الشهرين المقبلين، بحسب ما ينصّ عليه نظام المحكمة الخاصة بلبنان. غير أن 3 مشكلات أساسية تقفز إلى الواجهة مع اقتراب هذه الخطوة وهي:
أولاً، مشكلة تحديد المسؤولية الأمنية والترتيبات اللوجستية لنقل الضباط إلى لاهاي. وجاء في نظام المحكمة: «تحيل السلطة القضائية إلى المحكمة الخاصة نتائج التحقيق ونسخة من سجلّات المحكمة، إن وجدت، ويُنقل الأشخاص المحتجزون رهن التحقيق إلى عهدة المحكمة» (المادة 4). لكن النصّ لا يشير إلى الجهة التي تتحمّل مسؤولية الحفاظ على سلامة المعتقلين أثناء انتقالهم إلى عهدة المحكمة في لاهاي. والسؤال هنا: متى يدخل المعتقلون في «عهدة المحكمة»؟ أعند وصولهم إلى لاهاي؟ وإذا كانت هذه هي الحال فمن سيتولى حماية انتقالهم إليها؟ وهل ستتحمّل قوى الأمن الداخلي التي تنقصها المهنيّة والاحتراف مسؤوليّة نقلهم من السجن المركزي في رومية إلى المطار؟ وهل ستقوم القوة الدولية الأممية التي تعرّضت للعديد من الهجمات الإرهابية في لبنان بهذه المهام؟ وتحت أيّ سلطة ستكون القوة الأممية هذه والطائرة التي ستنقل المعتقلين؟ وبأي عهدة يكون هؤلاء أثناء انتقالهم؟ إذا كانوا بعهدة المحكمة فيمكن بتّ قانونية اعتقالهم في بيروت ومن ثمّ يخلى سبيلهم أو ينقلهم الأمميون إلى لاهاي. يترك ذلك سبيلاً وحيداً لبتّ قانونية اعتقالهم في لاهاي: أن تتحمّل السلطات اللبنانية مسؤولية نقلهم ويبقون في عهدتها حتى تسليمهم على باب المحكمة الخاصة في ليتسكندام.
ثانياً، مشكلة المراهنة على سرعة إقرار نظام الإجراءات والأدلة، إذ إن المدعي العام الدولي لا يمكنه بتّ قانونية أو عدم قانونية استمرار اعتقال الموقوفين الموضوعين في عهدة المحكمة، قبل إقرار نظام الإجراءات والأدلة. وقد رحّب وزير العدل ابراهيم نجار أمس بمسودة النظام المذكور، إلا أن إقرار المسودة لا يزال بحاجة إلى إعلان أسماء القضاة واجتماعهم لانتخاب رئيس للمحكمة، ثم الشروع في بحث المسوّدة قبل الموافقة عليها. واللافت هنا أن اعتراض قضاة لبنانيين أو غير لبنانيين على النظام قد يؤخّر اعتماده، وسيسبّب ذلك مشكلة بالنسبة إلى حقوق المعتقلين من جهة وللمدّعي العام الدولي من جهة ثانية. وكان هذا الأمر مدار نقاش بين قانونيين ومختصين في العدالة الجنائية ومسجل المحكمة الدولية روبن فنسنت، وتوافقوا على القول إن نظام الأدلة والإجراءات ينبغي أن يسبق توجيه بلمار لطلب التنازل عن الصلاحية، وبالتالي، نقل الملف والموقوفين إلى عهدة المحكمة. إلا أن بلمار يملك صلاحية توجيه طلبه إلى القضاء اللبناني قبل إقرار النظام، لكن ذلك سيضعه في موقف صعب، لناحية إمكان استمرار احتجاز الموقوفين من دون تعليل قانوني، وخاصة بعد أكثر من 3 سنوات على التوقيف.
ثالثاً، اللغط اللغوي في إحدى فقرات نصّ نظام المحكمة التي تتناول انتقال الاختصاص في القضية (ويتضمّن ذلك الملفّ والموقوفين) من القضاء اللبناني إلى المحكمة الخاصّة.
إذ جاء في النصّ الانكليزي:
«Upon the assumption of office of the Prosecutor, as determined by the Secretary-General, and no later than two months thereafter, the Special Tribunal shall request the national judicial authority seized with the case of the attack against Prime Minister Rafiq Hariri and others to defer to its competence».
بينما جاء في الترجمة العربية «في موعد يحدّده الأمين العام، على ألا يتجاوز شهرين بعد تسلّم المدعي العام مهامه، تطلب المحكمة الخاصة من السلطة القضائية الوطنية المعروضة عليها قضية الهجوم على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين، أن تتنازل عن اختصاصها».
فهل يعود القرار للأمين العام للأمم المتحدة كما ينصّ النصّ العربي أم للمدّعي العام الدولي كما ينصّ النصّ الانكليزي؟ وينبغي التذكير بأن الأمم المتحدة تعتبر اللغتين العربية والانكليزية من بين لغاتها الرسمية ومن بين اللغات المعتمدة رسمياً في المحكمة الخاصة بلبنان بحسب ما ينصّ قرار مجلس الأمن رقم 1757.