رامي زريقوأخيراً جاء المطر. ارتوت الأرض، وانتعش النبات، فجهّز الفلاحون أنفسهم لزراعة حقولهم ببذور وشتول الخضار الربيعية. لا يزال بعضهم يغرس البذور «البلدية» التي ورثها عن آبائه وأجداده، بينما تخلّى البعض الآخر عن هذا الإرث الطبيعي وصار يعتمد على البذور الهجينة.
تتميز هذه البذور بإنتاجيتها العالية، إلا أنها تحتاج إلى كميات كبيرة من الأسمدة ومن مياه الريّ، مما يرفع كلفة الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، فقد تكون بعض هذه البذور معدّلة وراثياً. على عكس القوانين الأوروبية، لا يفرض القانون اللبناني على التجار التصريح عن وجود كائنات معدّلة وراثياً في البذور والغذاء التي يتداولونها في السوق. إلا أن هناك أسباباً عديدة قد تدفعنا إلى تجنب استعمال الكائنات المعدلة وراثياً أو استهلاكها. فمن ناحية، هي تساهم في انقراض أصناف المحاصيل التقليدية التي تمثّل جزءاً أساسياً من التنوع البيولوجي ومن التراث الزراعي والغذائي، ومن ناحية أخرى تجب الإشارة إلى أننا لا نزال نجهل مدى أثرها على صحة الإنسان. ففيما تدّعي الشركات الزراعية الكبرى أن لا خطر في تناولها، أظهرت نتائج بحث فرنسي حديث أن استهلاك أحد أصناف الباذنجان المعدل وراثياً يضر بصحة الإنسان.
وتُعدّ هذه الدراسة فريدة من نوعها لأن واضعها كسر جدار «الإرهاب» الذي تفرضه الشركات الكبرى على الباحثين، والذي اشتكت منه مجموعة من الباحثين الأميركيين في مقالة نشرت أخيراً في صحيفة النيويورك تايمز، فضحوا من خلالها الضغوطات الشرعيّة وغير الشرعيّة التي تمارسها عليهم شركات إنتاج البذور.
ليست المحافظة على البذور التقليدية مهمة بيئية وصحية فحسب، بل إنها أيضاً جزء أساسي من التصدي لتمدد الشركات العملاقة الأخطبوطي في حياتنا اليومية.