كنوز جبيل تُعرض في متحف المتروبوليتان في نيويورك نموذجاً عن التجارة والتبادل الفني والسياسي قبل 4000 سنة. لبنان شارك في المعرض مع أكثر من عشر دول أخرى وبرزت صور تماثيله على غلاف المعرض
جوان فرشخ بجالي
«ما بعد بابل» عنوان المعرض الذي يقام في متحف المتروبوليتان في نيويورك منذ بداية الشهر الجاري، وينتهي الأسبوع المقبل، ويشارك لبنان في المعرض عبر سبع عشرة قطعة أثرية من المتحف الوطني في بيروت. فالتماثيل الصغيرة التي تسمّى «الفينيقي الصغير» أبحرت إلى نيويورك ومعها كنوز جبيل المصنوعة من الذهب، التي نُحتت عليها رسوم فرعونية، وأضيفت إلى تلك التحف عاجيات مكتشفة في موقع كامد اللوز.
مشاركة لبنان أتت لتبرز هدف المعرض، الذي يحمل عنوان «الفن، التجارة والسياسة في الألف الثاني قبل الميلاد». وقد كتب منظّمو الحدث: «أن التبادل الذي بدأ بشكل هدايا وفِدَيَات تطور ليشمل الهدايا والهبات للسياسيين، التي مثّلت تبادلاً حقيقياً بالتحف الفنية على مستوى الملوك. ما أدى إلى التواصل الفكري والإنتاج الفني الأوسع. فالحرفيون قطعوا مسافات واسعة حاملين معهم أفكارهم وإنتاجهم الفني الخاص إلى أراضٍ يجهلونها. فكانت ولادة تيارات فنية جديدة. كذلك، فإن التجارة والسياسة كانتا صلة التواصل بين ملوك بلاد ما بين الرافدين والشعوب الحثية التي عاشت في بر الأناضول من جهة، مع مدن الساحل اللبناني ـــ السوري ـــ الفلسطيني ومصر من جهة ثانية».
هنا، يبرز دور مشاركة لبنان في المعرض وأهميتها. فهذه البقعة من الأرض كانت منذ أكثر من 5000 سنة مركزاً تجارياً مهماً ورائداً على صعيد البحر المتوسط ومصر الفرعونية من جهة، والداخل السوري العراقي من جهة ثانية، وقد أتت المكتشفات الأثرية في مدينة جبيل لتثبت حركة التجارة والتبادل تلك. فاسم تلك المدينة المأهولة منذ 9000 سنة موثّق في المراجع الآكادية أولاً، والمصرية ثانياً. فهي كانت مركزاً للتجارة الدولية والعابرة للبحار والقارات. وفي تلك الفترة كان هناك خط نقل حيوي لا يتوقف يُعرف باسم «بواخر جبيل»، ويمر من جبيل إلى دلتا النيل عبر مدن ساحل المتوسط. وقد عاشت تلك المدينة ازدهاراً فريداً من نوعه في النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، حينما كانت تؤمّن التجارة بين مصر والداخل السوري عبر ثلاث من أكبر مدنه: إبلا وأوغاريت وماري. وأتت المكتشفات الأثرية من خلال الحفريات الأثرية لتثبت ذلك الازدهار. ففي أرض معابد جبيل عثر العلماء على خناجر نُقشت عليها رسوم فرعونية، وفي قبور الملوك اكتُشفت الجواهر والحلي المصنوعة من الذهب والمرصّعة بالحجارة الكريمة، بحسب تقاليد الفن المصري الفرعوني أيضاً. ما يثبت أن التجارة ولّدت تيارات فنية وتبادلاً فكرياً وسياسياً.
تكشف سوزي حاكيميان، مديرة المتحف الوطني في بيروت، أن التحضير لمعرض المتروبوليتان دام أكثر من سنة، وشاركت فيه أكبر المتاحف في العالم من اللوفر الفرنسي إلى المتحف البريطاني ومتحف أنقرة والأقصر والقاهرة ومتحف أثينا وبرلين. وبالطبع، نُقلت التحف وفق إجراءات أمنية ووقائية معيّنة وعبر شركات متخصصة بهذا النوع من المنقولات عبر القارات. وأكدت أن متحف المتروبوليتان تكفّل تكاليف النقل، وحتى تكاليف شركات التأمين على القطع التي تبلغ قيمتها أرقاماً خيالية. وأكدت حاكيميان أنه بحسب الإجراءات الأمنية المتّبعة فهي رافقت القطع الأثرية من المتحف الوطني إلى مطار بيروت حيث تأكدت من نقلها إلى الطائرة، ومن ثم انتظرتها عند المدارج في باريس ونيويورك، لترافقها إلى قاعات المتحف». وستعاود حاكيميان الكرّة مرة أخرى في الأسبوع المقبل حين تعيد القطع إلى المتحف الوطني مع انتهاء العرض.
لا تقتصر مشاركة لبنان في المعرض على التحف بل تشمل القطع الفنية المستوحاة من التحف الأثرية التي تتكفل «بوتيك المتحف» إنتاجها وبيعها في بيروت، فما كان منها إلا أن أرسلت بعضاً من تلك القطع لتُعرض في المتاجر التابعة للمتروبوليتان.
هي ليست المرة الأولى التي يشارك فيها لبنان في المعارض العالمية، ففي السنة الماضية شارك المتحف الوطني في معرض الفينيقيين في باريس. وجود لبنان في المعارض العالمية هو تأكيد لأهميته التاريخية والأثرية، ولوجوده على ساحة «الحدث» الثقافي أينما يجري أيضاً. فخلال السنين الماضية كاد ضعف مشاركة لبنان في المعارض أن يطيح تلك المكانة، ويُستبدل بالدول المجاورة له.