إيلي شلهوبنظريّة تداولتها وسائل الإعلام الأميركية قبل أسابيع، إذا صدقت فهي تحمل الكثير من الدلالات. تقول إن هيلاري كلينتون قبلت منصب وزارة الخارجية لاقتناعها بإمكان دخول التاريخ من بوابة حل الصراع العربي الإسرائيلي، عبر ضغوط على تل أبيب لا أحد قادراً على ممارستها إلا من أثبت ولاءه للّوبي اليهودي الأميركي، مثلما فعلت هي على مدى السنوات الماضية.
مقدار الاهتمام الذي أولته لهذا الملف منذ اليوم الأول لها في منصبها الجديد، وانتقاداتها «الحادة» (قياساً بما اعتاده المسؤولون الأميركيون) للدولة العبرية قبل أيام في شأن السماح بعبور المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، إشارات تعزّز صدقية هذه الفرضية. كذلك الأمر بالنسبة إلى جولتها التي تبدأها غداً في المنطقة، يرافقها فيها جورج ميتشل، الذي خالف إحدى الثوابت الرئيسية في السياسة الخارجية الأميركية بتلميحه في أنقرة قبل يومين إلى عزمه على إشراك «حماس» في عملية السلام، مع ما تحمله هذه الإشارة من معان، بينها إمكان عقد لقاءات أميركية، ولو بعيداً عن الأعين، مع الحركة الإسلامية، التي يبدو أنها مهّدت لها عبر «الرسالة» المثيرة للجدل بواسطة جون كيري.
صحيح أن هذه الجولة احتلت المرتبة الثانية في جدول أعمالها، بعد الشرق الأقصى، خلافاً لما اعتاده أسلافها الذين عادة ما كانوا يعطون الأولوية للشرق الأوسط، أو للحلفاء في أوروبا. لكنها إعادة ترتيب فرضتها على ما يبدو الأزمة المالية التي أدخلت الولايات المتحدة في عجز موازنة هو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، ما زاد في حاجتها إلى الصين وأموالها.
الجولة الأولى تلك كشفت عن مجموعة عناصر في مقاربة هيلاري للملفات الدولية: براغماتية متناهية تقطع مع ثوابت السياسة الخارجية الأميركية، أثارت حملة انتقادات ضدها في الوطن، على قاعدة إسقاطها لملف حقوق الإنسان مع بكين لمصلحة معالجة الأزمة الاقتصادية العالمية. توظيفها لعلاقاتها التي بنتها عندما كانت سيّدة أولى للتقرب من مضيفيها. استغلال شهرة رئيسها باراك أوباما في محاولة لتغيير الصورة النمطية العالقة في الأذهان عن الولايات المتحدة. اعتماد أسلوب مرح في التعاطي مع الآخرين، على طريقة المشرّعين الراغبين في إعادة انتخابهم، يساعدها في ذلك فريق استقدمته معها من مكتبها عندما كانت سيناتوراً عن نيويورك، تختلف طبيعته عن طاقم الأكاديميين الخاص بكوندي رايس وعن طاقم الجنرالات الخاص بكولن باول.
مقاربة تقدم صورة لحراكها يوم الاثنين المقبل في شرم الشيخ، حيث الأعين ستكون مركزة على ملفين: الأول، مقدار المساهمة التي ستقدمها واشنطن لإعادة إعمار قطاع غزة الذي دمّرته قوات الاحتلال بأسلحة أميركية موّلها دافعو الضرائب الأميركيون، وذلك في أوج الأزمة المالية التي تعاني منها بلادها. والثاني، لقاء محتمل مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، بعدما وُضعت العلاقات السورية الأميركية «على الطريق الصحيح»، التي عبّدتها سلسلة زيارات قامت بها وفود من الكونغرس إلى دمشق ولقاء «بنّاء» عقده قبل يومين عماد مصطفى مع جيفري فيلتمان في العاصمة الأميركية.
أما زيارتاها للقدس المحتلة ورام الله فستجريهما تحت عنوان «الاستماع»، الذي يُرجح ألا تلتزم به قياساً بما فعلته خلال جولتها الآسيوية. ما ستقوله خلالهما، إذا فعلت، لا شك في أنه سيكون علامة مهمة، في كيان يتجه نحو حكومة يمينية وسلطة بدأت للتو ماراتون مفاوضات تصالحها مع «حماس».
يُرجّح أن تحطّ في العراق، رغم عدم إدراجه على جدول أعمالها، في محاولة لحصد ثمار إعلان أوباما عزمه على تسريع الانسحاب، ولتشيد بالتطورات الأمنية والسياسية التي شهدتها بلاد الرافدين عقب انتخابات غيّرت ملامحها بعد أكثر من خمس سنوات من الغزو الذي صوّتت هي لمصلحته. وربما تُعرّج على بيروت لتطمئن حلفاءها من جماعة 14 آذار. لا بد أن هناك من يطالب بزيارة كهذه، الاستجابة له تبدو مرتبطة بما سيجري في شرم الشيخ.
ومع ذلك لا يتوقع الكثير من هذه الجولة، وخاصة أن إدارة أوباما نفسها لم تتّضح لديها بعد الصورة المتكاملة لكيفية تعاطيها مع ملفات المنطقة والعالم. الثوابت باتت معروفة: أولوية حلّ الأزمة الاقتصادية في الداخل. تهدئة على جميع الجبهات في الخارج، وخاصة مع موسكو وبكين. انخراط دبلوماسي حتى مع «الأعداء» وفي مقدّمهم طهران. تخلٍّ عن سياسة العصا والجزرة التي اشتهرت بها إدارة بوش. التعاطي مع أزمات المنطقة كرزمة متكاملة يجمعها الصراع العربي الإسرائيلي. نقل الحرب على الإرهاب من العراق إلى أفغانستان وباكستان... لكن الآليات والتفاصيل لا تزال قيد الدرس.
في المقابل، هناك نظرية ثانية تقول إن هيلاري، التي تُعدّ من صقور الحزب الديموقراطي، قبلت بهذا المنصب في محاولة منها لفرض آرائها المتشددة على السياسة الخارجية الأميركية. الأمل أن تكون الحقيقة لدى أصحاب الفرضية الأولى.