أقرّ مجلس النواب في جلسته العامة بتاريخ 19/2/2009 القانون 11752 القاضيبتنظيم المجالس الأكاديمية في الجامعة اللبنانية. القانون انتظره أهل الجامعة 18 عاماً لتحقيق استقلالية مؤسستهم عن السلطة السياسية؟! فاتن الحاج
لم ينم أهل الجامعة اللبنانية على حرير بعد إقرار قانون تنظيم المجالس الأكاديمية وإن اختلفت المقاربات. فالبعض يصف القانون بالمنعطف والتسوية المضبوطة بتوجيهات الجسم التعليمي، ويتحدث البعض الآخر عن خطوة مبتورة متسرعة لا تفضي إلى إصلاح شامل. لكن، ثمة من يجد أنّ هناك من كان وما زال له مصلحة في بقاء المجالس مغيبة، لا سيما مواقع السلطة داخل الجامعة من رئاسة وعمادة ومديرين ومن يحمي هؤلاء في السلطة السياسية والطائفية.
من أجل هذه المصالح، يقول النقابي الدكتور حسان حمدان (الحزب الشيوعي) بقي مشروع القانون في أدراج الحكومة والمجلس النيابي رغم الموافقة عليه في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 15/10/1991. لكن هل يعني ذلك أنّ لجميع الأساتذة مصلحة في المشاركة في إدارة الجامعة عبر المجالس الأكاديمية؟ يرى حمدان أنّ صوت الأساتذة الذين دخلوا إلى الجامعة بجدارتهم بقي وسيبقى عالياً في وجه كل من يريد أن يتجاوز القانون والأصول الأكاديمية التي تتأمن عبر مجالس الفروع والوحدات (الكليات أو المعاهد) والجامعة.
فالمجالس الأكاديمية (مجلس الجامعة، مجلس الكلية أو المعهد ومجلس الفرع) هي أحد أعمدة بناء جامعة وطنية تتمتع بالاستقلالية الكاملة أكاديمياً وإدارياً ومالياً. وتفيد تجربة ما قبل الحرب الأهلية بأنّ المجالس كانت عاملاً حاسماً في حماية الجامعة وحقوق الأساتذة والطلاب في وجه أي تدخلات من أي نوع كانت. لكن الطبقة السياسية في السلطة وخارجها نجحت خلال الحرب وما بعدها بتطويع الجامعة والتدخل في شؤونها التفصيلية بحسب الرؤى الخاصة بكل طرف، ما ساعد على دفع المؤسسة إلى مسار انحداري مأزوم يتعطل فيه الحد الأدنى من الحياة الأكاديمية والإدارية.
والواقع الراهن يدل إلى أنّ هناك تجاوزاً فاضحاً لقانون الجامعة والأصول الأكاديمية، لأنّ كل مدير أو عميد أو رئيس يقرر بغياب هذه المجالس.
يخشى حمدان أن يكون القانون الجديد ورقة من أوراق الضغط الانتخابي، وخصوصاً أنّ هناك قوى عدة تسعى، كما يقول، لتفريغه من محتواه الديموقراطي باتجاه تثبيت مواقع السلطة القائمة عبر زيادة صلاحيات رئيس الجامعة والعميد والمدير على حساب المجالس، وإبقاء مجلس الجامعة تحت صلاحيات السلطة السياسية. ومع ذلك، يؤكد النقابي الدكتور بسام الهاشم (التيار الوطني الحر) أنّ صدور القانون خاتمة لنضال مرير دام 18 عاماً، ومنعطف في سيرورة بناء الجامعة وتطويرها. ورغم أنّ القانون لا يمثل ذروة طموح الأساتذة، يرى الهاشم أنّه أحدث تسوية مرحلية بين حقوق الجسم التعليمي ونزوع السلطة السياسية إلى الإمساك بالوضع، «فالانتصار الذي حققته الجامعة هو مشاركة القاعدة التعليمية في اختيار المديرين والعمداء ورئيس الجامعة». هنا يذكر الهاشم كيف بلغ البطش بأحد رؤساء الجامعة فأسقط مديرين لم نخترهم في معهد العلوم الاجتماعية، علماً بأنّه في هذا المعهد بالذات جرت العادة الأخذ بطروحات الأساتذة.
وفيما يبدي الهاشم تفهماً للنظام اللبناني القائم حتى إشعار آخر على ضمان مشاركة متكافئة لجميع الطوائف، يتحدث عن بنود إصلاحية في القانون، منها منع التجديد التلقائي للمديرين أو العمداء، ما يؤدي إلى تدني نسبة ارتهان هؤلاء للسلطة السياسية والاستماع إلى اقتراحات الجسم التعليمي. والبند الإصلاحي الآخر، حسب الهاشم، هو اختيار المدير والعميد في إطار الكلية المعنية، أي الحرص على التجانس لجهة الاختصاص لا كما كان يحدث سابقاً، إذ كان العميد يهبط على كلية لا يعي أدنى تفصيل أكاديمي فيها.
لا يوافق النقابي الدكتور عبد الله زيعور (حزب الله) على أن يكون قانون تنظيم المجالس الأكاديمية منفصلاً. ويستغرب توقيت استعجال الصدور في وقت كان هناك توافق قديم بين أهل الجامعة، على أنّ هذا المشروع لا يمر إلا مقترناً بعودة بعض الصلاحيات إلى مجلس الجامعة التي صادرها مجلس الوزراء بالقرار الرقم 42 الصادر بتاريخ 19/3/1997. ويسأل: «هل ثمة قوى في الجامعة لم تعد تريد عودة هذه الصلاحيات؟». ومع ذلك فإقرار المجالس الأكاديمية لن يكون بديلاً من قانون جديد للجامعة يواكب التطلعات المستقبلية، لأنّ الحل، كما يقول زيعور، يبقى مبتوراً. ويبدي قلقه من تجربة الفروع لجهة الانغلاق المتمثل بأساتذة اللون الواحد وموظفيه. ويستغرب زيعور نسخ القانون بعض الفقرات الموجودة في التعميم 27 الذي يختص بأصول الانتخاب والترشيح من دون تلافي الثغرات التي ظهرت من تجارب التطبيق. ويعلّق: «لسنا متأكدين من أنّ القانون سيعالج تدخلات القوى السياسية، لسبب أنّ هذه القوى ترى في الجامعة أداة لتعزيز النفوذ والمنافع».
«فالقوانين المثالية تحتاج إلى واقع مثالي، وعندما يتعارض الواقع مع القانون يبقى الأخير حبراً على ورق»، يقول المسؤول التربوي المركزي في حركة أمل الدكتور حسن زين الدين. ويدرج زين الدين إقرار القانون في خانة الإجابة على الحاجة النفسية للأساتذة، لذا أوعز رئيس مجلس النواب نبيه بري بتحويله إلى اللجان ومن ثم إلى الهيئة العامة.
هل هناك إمكان لتطبيقه؟ يستبعد زين الدين ذلك قبل إقرار قانون عصري للجامعة وإصلاح البيت السياسي في «بلد التوافق»، حيث مراعاة التوزيع الطوائفي للكليات مقدسة. وأكثر من ذلك فالحكومة عاقر، كما يقول، ولن تلد أية تعيينات، بما في ذلك تعيين عمداء كليات الجامعة اللبنانية «إلا إذا بدنا نحلم».
لكن في الجامعة من يريد أن يواصل الحلم، فالصراع مفتوح، يقول أمين سر الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية النقابي الدكتور عصام خليفة، وما إقرار القانون سوى مرحلة انتصرت فيها الحركة النقابية التي ناضلت منذ 1991 ليبصر القانون النور. ويشرح كيف أنّ الجامعة كانت تفرض من يأتي رئيسها أو عميدها قبل تعطيل قانون الجامعة الرقم 75 الصادر بتاريخ 26/12/1967 في العام الجامعي 1975ـــــ1976 بفعل سيطرة قوى الأمر الواقع. ومع ذلك «أثبتنا أننا نملك القدرة على الدفاع عن الجامعة في وجه النوايا السيئة المتربصة بها وترتاح لبقائها سائبة». ويتعجب كيف يترك المسؤولون السياسيون الجامعة من دون عمداء لمدة 5 سنوات. ويقول للمستشارين الذين يوشوشون لمسؤوليهم: «إما أن تكون هناك إرادة في قيام الجامعة أو لا».
خليفة كان يشارك ورئيس الهيئة التنفيذية للرابطة الدكتور حميد الحكم (تيار المستقبل) في اجتماعات لجنتي التربية والإدارة والعدل النيابيتين وفي كل التعديلات التي طرأت على المشروع والتي وصفها خليفة بالطفيفة ولا تمس بجوهر القانون. ويستغرب الحكم الربط بين الانتخابات النيابية وتعيين العمداء الذي يجب أن يحصل فوراً عملاً بالقانون، إذ لا يجوز استمرار الوضع على ما هو عليه «فالمؤسسة فوق الأشخاص، والجامعة تحتاج إلى مجالس تدير أعمالها وتخطط لمستقبلها».


شكر: لن نكون في جمهورية أفلاطون
يذكّر رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر (الصورة) بأنّ قانون تنظيم المجالس الأكاديمية في الجامعة لا يخترع جديداً، فآليات تعيين المديرين والعمداء ورئيس الجامعة منصوص عليها في قانون الجامعة 75/67، ما عدا ما يتعلق بمجالس الوحدات. ويرى شكر أنّ صدور القانون قد يحد من تدخل السلطة السياسية ولكن بحدود دنيا، لأنّ الأساتذة هم جزء من المجتمع وخياراتهم لن تحكمها في الغالب الاعتبارات الأكاديمية فحسب. وبالتالي فترشيحات مجالس الفروع والوحدات والجامعة ستراعي، كما يقول شكر، التوازنات ولن تخرج من بيئة البلد. يذكر أنّه خلال جلسة مناقشة القانون في مجلس النواب سأل النائب حسين الحاج حسن عما يحصل فيما لو جاءت الترشيحات لا تتوافق والتوازنات السياسية والطائفية فجاءه الجواب: «يرد الوزير اللائحة إلى رئيس الجامعة». يبدو الجواب مستغرباً بغياب النص القانوني الذي يجيز للوزير ذلك. لكن شكر يعتقد أنّه مجرد أن تلتقي الفروع فسيكون ذلك خطوة متقدمة للتواصل وتجاوز العقبات.