محمد زبيبعندما تكون الأحزاب والقوى السياسية والجمعيات والهيئات والنقابات والشخصيات المختلفة غير راغبة في أي فعل يتجاوز الإعلان عن «موقف للتاريخ» يندد بالمذبحة الحاصلة الآن في غزّة، فلا ضير (إذاً) في أن تتسابق كلّها على إمطار الصحف ووسائل الإعلام بوابل من البيانات «الإنشائية»، التي تشبه (إلى حدّ كبير) القيام بواجب العزاء مواساةً لأهل الفقيد أو حفاظاً على العادات الاجتماعية أو استخداماً لمناسبات الأتراح والأفراح من أجل كسب المزيد من الأصوات «السائبة»!
لا ضير في ذلك، ما دامت مقولة «قل كلمتك وامضِ» هي المقولة الراسخة في الثقافة العربية السائدة من المحيط إلى الخليج... هذه الثقافة التي تكاد تكون مشتركة بين قوى السلطة والقوى المناوئة لها، والتي تختصر (أصلاً) هذا الإحساس المزمن بالعجز أو الإيمان المطلق بالقدر.
قل ما تشاء، ولكن لا تفعل شيئاً، فقط امضِ في سبيلك، أدِرْ ظهرك، تحسّس قدميك، ومارس خوفك بالصمت مجدداً في انتظار مذبحة أخرى تتيح لك الفرصة لتقول الكلمة نفسها، وتسجّل عبرها أنك كنت حاضراً في تأبين الضحايا، ولم تتخلّف أبداً عن حمل التوابيت إلى مثواها الأخير.
هكذا هي حال الجميع اليوم، كلمات كثيرة من دون أي فعل أو حراك:
ـــــ نطالب الملوك والأمراء والرؤساء بعقد قمة طارئة وعاجلة، ونحن ندرك أن القمم السابقة لم تخرج عن إطار الصورة التذكارية. فمتى حصد الناس غير الخيبة؟
ـــــ نبكي «النظام العربي الرسمي» على موته أو تواطئه، كأننا نفترض وجود مثل هذا النظام ـــــ نظام قائم بالفعل يعمل وفقاً لآليات محددة ومنسّقة وأهداف مشتركة واضحة ـــــ أين هو؟ متى كان موجوداً؟ من يعرف عنه شيئاً؟
ـــــ ندعو الحكومات إلى المواجهة، كيف؟ ولماذا؟ فهل هناك جيش عربي واحد مصمّم ومجهّز لغير وظيفة واحدة تقضي بتنصيب الحكومات وحمايتها في إطار منظومة مصالح تقتضي غالباً الوقوف مع المذبحة لا ضدّها؟
هذه هي الحال منذ 60 عاماً (وأكثر). مذبحة تمهّد لمذبحة أكبر، والبشر يتحوّلون إلى مجرد أعداد قتلى، والكلمات تزداد سخطاً من دون أن تؤسس للوعي المطلوب من أجل تحويلها إلى حركة عامة لا تكتفي بالمطالبة والدعوة والبكاء، بل تهدد النظام والقمم والحكومات.