هشام نفاعوبكثير من التواضع، بودّي الإفصاح عن أنني أبليت في اللعبة بلاءً حسناً، وهو ما لم أعهده في نفسي عادة في هذا المضمار المحوسَب.
لكنْ، لا شيء يخلو من نشاز. وإذا كانت ضمائر لندن تستعد لـ«تظاهرة أحذية» احتجاجية أمام السفارة الأميركية، وإذا كان ناشطون أميركيون سارعوا إلى التظاهر بالأحذية مقابل مركز لتجنيد «المارينز» في كاليفورنيا، فإن صاحب المنصب المسمى «مستشار الأمن القومي العراقي»، المدعو موفّق الربيعي، وجد من المناسب أن يجاهر بامتعاضه من خطوة الزيدي. لا بل إنه تحدّث بكلمات استعلائية مطهّمة كتلك التي كانت تسيل من أفواه نبلاء الإقطاع الأوروبي القديم، معتبراً أن طريقة تعبير الزيدي كانت «همجية». ولشديد الأسف لم يكمل الربيعي معروفه، فامتنع عن إسعافنا بالنعت الملائم لأفعال ضحيّة «همجية الصرماية»، بوش، المسؤول الأوّل عن قتل نحو مليون إنسان عراقي!
قد يُقال إن الفعل كان غاضباً وعاطفياً. فلنفترض. هل الفعل العقلاني أفضل دائماً؟ هل كان يجدر بالزيدي طرح سؤال قاس على «المستر بريزدنت» والعودة للجلوس بأدب أمامه، بدلاً من إهدائه صرماية مسدّدة؟ هذا السؤال ثار في باب إعمال التفكير في الأخلاقيات المِهْنية لدى الصحافي. وكأنّ الصحافي أداة ميكانيكية جامدة يُفترض بها التصرّف بموجب تعليمات «كاتالوغ». لا حاجة بنا للإسهاب في مسألة تجاوزنا لشائعة «موضوعية الصحافة».
يكفي رؤية عمليات تزييف الوعي العام التي تتقنها وسائل الإعلام الثريّة الطاغية في كل مكان. ثم إنّ الأخلاقيات المهنيّة تستحق التطبيق على سياسيين يعرفون حداً أدنى من معنى الأخلاق ويمارسونه. أما جورج بوش، بشخصه وبما يمثّله معاً، فليس بريئاً من «تهمة الأخلاق» فحسب، بل إنه أحد أعتى أعدائها وأكبر ماقتيها. فكيف نواجهه بما يمقته؟ حرام...
قال زياد الرحباني مرة ما معناه: لا يمكنني ممارسة أخلاقي الشيوعية مع رأسماليين. بالعكس تماماً، فمع الرأسمالي يجب أن تكون أسوأ منه، مع الرأسمالي كنْ بأخلاقيات إقطاعيّ. لست متأكداً من صحة هذه المعادلة في كل حال، لكنها في حال الرفيق الزيدي معادلة ثاقبة. فالمسؤول عن حرب إبادة تدميرية بحق شعب بأكمله، غايتها الوحيدة تطوير وحشية وسائل الهيمنة والنهب، لن يكون كثيراً على شخصه السامي ضربة احتجاجية بصرماية أو «جوز كنادر». لا بل إنّ هذا هو أضعف الإيمان.
أخيراً: هناك عدد من الصرامي الشهيرة في التاريخ، الفعليّ منه والأدبي. منها صرماية الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف التي دقّ بها منصّة اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960 أمام انفلات ممثلي الولايات المتحدة ومجروراتها. وهناك صرماية سندريلا الأسطورية. وصرماية أبو القاسم الطنبوري المشاغبة. وهناك واقعة اغتيال بالقباقيب راحت ضحيتها الحاكمة العربية شجرة الدر داخل قصرها في القاهرة مطلع العهد المملوكي. ولكن، مع الاحترام لمكانة جميع تلك الصّرامي، تبقى الصرماية التي سدّدها الرفيق منتظر الزيدي باتجاه خِلقة مجرم الحرب جورج بوش هي الصرماية التاريخية بامتياز. فلنغيّث، علّ انهمار سيل الصرامي لا ينقطع عن رؤوس الطواغيت. آآآمين...
* صحافي فلسطيني