عمر نشّابةبقصد تعبئة شارع ضد آخر، أجاب أحد أبرز القادة السلفيين في الشمال رداً على سؤال عن جدوى التنظيمات الأصولية المدعومة من تيار المستقبل: «نحن هنا لحماية أهل السنّة».
الحماية من التطرّف والأصولية في مواجهة إسرائيل ومن يقف خلفها؟
الحماية من «شرّ» إخوانهم الشيعة؟
الحماية من الاعتدال والوسطية في الطروحات الاجتماعية والثقافية؟
الحماية من كلّ ما يهدّد اتفاق الهدنة مع إسرائيل؟
لا جواب. وفي فلسطين حالة تحيّر البعض: إما أن الناس هناك ليسوا بحاجة إلى حماية من آلة الحرب الإسرائيلية، وإما أنهم ليسوا بشراً أصليين. ليس لهم «مستقبل» يسندهم، ولا حتى شركة أمنية خاصّة تلملم بعض الشبان من قرى البؤس للدفاع ـــ ولو شكلياً ـــ عن مستشفى للأطفال أو وزارة للثقافة أو مؤسسة للتعليم العالي في غزّة.
أهل غزّة اليوم يفتّشون بين ركام المنازل عن أشلاء بشرية، بينما يطوف أبو مازن في مدن يرفرف فوقها علم السفارة الإسرائيلية، منتحلاً صفة فؤاد السنيورة، من دون أن ينجح في ذلك تماماً. فكوندوليزا رايس لن تأتي إلى رام الله ليستقبلها الرئيس بالقبلات. ولن يلجأ مفتي الديار المقدسة إلى مبنى المقاطعة لصلاة الجمعة. ولن يصرخ الحرصاء على كرامة السنّة «باقٍ باقٍ باقٍ!». لكن قد لا يفوّت محمود عباس على نفسه إعلان الهزيمة يوم الانتصار.
أن يتمكن معارضون من إجبار رئيس حكومة على التراجع، أمرٌ لا يُطاق يستدعي الاستنفار وستواجهه الجماهير بقوّة وإيمان وصلابة. لكن محاولة تركيع شعب عبر دفنه حياً تحت ركام البيوت والمدارس والمستشفيات، لا تستوجب التحرّك الجدّي. بيان تضامني وبعض التصريحات التقليدية تكفي. وتكفي مطالبة زعيم المستقبل سعد الحريري أمس للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «بأن يحاول وقف الحرب». كذلك تكفي دعوة المفتي الشيخ محمد رشيد قباني الفلسطينيين إلى التوحّد «خشية الطوفان الكبير كي لا يغرقوا». فعلى المعتدلين أن يكونوا معتدلين في تصريحاتهم، ولا يجوز إثارة غضب الشركاء الدوليين. «من حقّ إسرائيل أن تدافع عن نفسها» يقول البيت الأبيض، فهل مَن يجرؤ على مناقشته في قريطم؟
تعلو في طرابلس بعض الأصوات تشبّه «الذين اجتاحوا بيروت» في أيار بالذين «يطلقون الصواريخ على الهدنة» في فلسطين. وفي بيروت من يدّعي أن «مصر تتعرّض لعدوان حزب الله وحماس». لا بأس إذاً بإرسال المساعدات الإنسانية للشعب المصري الذي يعاني أصلاً الحرمان بفضل «إنجازات» نظام حسني مبارك في مجال التربية والتعليم والخدمات الصحية والاجتماعية. زوروا جبل المقطّم وسكان المقابر في القاهرة لتشهدوا على البؤس والآلام، ولا تنسوا أن تمرّوا بمحاذاة قصور أزلام مبارك في زمالك القاهرة أو في شرم الشيخ والإسكندرية.
يبثّ التلفزيون خبراً عاجلاً: غارة إسرائيلية جديدة على أحد المنازل تُسقط شهيدين. تبيّن لاحقاً أن أحدهما لم يبلغ سنة من العمر. حُرم هذا الرضيع الخيار. حُرم النمو ليتمكن يوماً من الاستزلام لمعسكر «المعتدلين العرب» أو من الانضمام إلى أولئك الذين يرفضون الذلّ ولو كلّفهم رفضهم كلّ شيء.
الطائرات الإسرائيلية لا تميّز بين الأطفال، وليس لطياريها رؤية للمستقبل. هذا الطفل كان سيلجأ إلى خيار الاعتدال. لا فرق. إن قيمة حياة الفلسطينيين لا تقاس بخياراتهم المستقبلية.
تتأسف إسرائيل وأصدقاؤها علناً على الأطفال الذين يسقطون ضحية «اختباء الإرهابيين خلفهم». بينما تذكر تقارير الأمم المتحدة عن التوزيع السكاني أن قطاع غزّة يتميّز بكثافة سكانية تصل إلى معدّل 4270 إنساناً في الكيلومتر المربّع الواحد.
رُفعت أخيراً شعارات «تدعو إلى الوحدة في ظلّ الوضع الراهن» والابتعاد عن كلّ ما يفرّق بين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب. غير أن تلك الشعارات تدفع البعض إلى التساؤل:
هل يُعقل أن يتوحّد الفلسطينيون خلف أبو مازن ويجلس المقاوم إسماعيل هنية إلى جانب أولمرت وليفني ليتناولوا الغداء؟
هل يُعقل أن يتوحّد اللبنانيون خلف فؤاد السنيورة وتسلّم المقاومة أسلحتها وصواريخها وينزل السيد حسن نصر الله إلى المطار لاستقبال قوات احتلال العراق؟
هل يُعقل أن يتوحّد العرب خلف النظام المصري ونشارك جميعاً في خنق الفلسطينيين في قفص ليتمكن أولمرت من قتلهم بسهولة من دون أن يتمكنوا من رمي حجر أو صاروخ؟
على أي حال، بالوحدة هذه أو بدونها، ستبقى حماس في الخندق مدافعة عمّا بقي من الشرف العربي في ما بقي من فلسطين. وستبقى الحياة على قيد الحماس.