ماذا أعطينا لشعب فلسطين إلا بشع الكلام ونشاز الأشعار وتكرار الغناء؟ (تكفي مراجعة أشعار الأخطل الصغير عن فلسطين). هم أعطونا صموداً وشجاعة فريدة ونحن أعطيناهم «يا فلسطين، جينالك»
أسعد أبو خليل*
من كان في جيلي، أو من كان في جيل سابق أو لاحق، يخجل أو يتهيّب عند الكتابة عن فلسطين. الفعل يقزِّم القول. يروي هشام شرابي في «جمر ورماد» عن حملة التطويع من أجل الدفاع عن فلسطين في حرم الجامعة الأميركية عام 1948: «تطوّع شباب العرب بالمئات، وفي يوم التجنيد لم يأتِ منهم إلا واحد أو اثنان». أذكر رفاقاً لي كانوا في تنظيمات الثورة الفلسطينيّة ثم عادوا وانضووا في تنظيمات تناصب القضيّة العداء، ومنهم من صفّق ومن قرع الطبول احتفالاً بتدمير مخيّم نهر البارد.
تعود إلى صحف 1948، وتتيقّن أن المؤامرة الصهيونيّة كانت متغلغلة كالنمل في ثقافتنا. كانت الثقافة العربيّة في عام النكبة تراوح بين الانتصاريّة الفارغة، وبين التيئيس المقصود (يروي موسى العلمي في مذكراته كيف أن شكري القوتلي طمأن وفداً فلسطينيّاً جال على الدول العربيّة لجمع السلاح بأن لا حاجة للسلاح. اندهش أعضاء الوفد، فقاطعهم القوتلي بأن حدّاداً ماهراً في دمشق استنبط قنبلة ذريّة. عاد الوفد على أعقابه خائباً بائساً). وياسر عبد ربّه (الذي قال فيه نزار قباني: «ما لليساريّين من كتابنا؟ قد تركوا (لينين) خلفَ ظهرهم، وقرّروا..أن يركبوا الجِمال!!») في حواراته في «الحياة» لم يصدقْ القول أكثر من مرّة، وخصوصاً عن طبيعة موقف القيادة الفلسطينيّة بعد غزو الكويت. أراد عبد ربّه أن يعيد كتابة التاريخ (كعادته) عبر الزعم أن القيادة الفلسطينيّة لم تكن مغشوشة بمكابرة صدّام. أذكر تلك الفترة جيّداً وأذكر كيف أن إدوار سعيد اشتكى لي من اتصالات هاتفيّة شبه يوميّة معه من مستشاري عرفات يجزمون له بأن عند صدّام صواريخ قادرة على تدمير إسرائيل. والذين قادوا حملة «الانتصاريّة المزيّفة» كما سمّاها الكاتب الباكستاني إقبال أحمد، الذي أحب فلسطين كواحد من أبنائها (غير الدحلانيّين) هم أنفسهم الذين يقودون اليوم حملة التيئيس. أذكر ذلك المثقف العربي المعروف الذي قال لي بصوت ضعيف بعدما عاتبته على موقف اتخذه يتناقض مع كل ما كتبه عن القضيّة الفلسطينية: «لكننا انهزمنا، يا أسعد. الصهاينة انتصروا». لا، لم ينتصروا. إلا إذا أردنا لهم أن ينتصروا. بعد مواجهة حرب لبنان، بدا الكيان الصهيوني الغاصب (والوصف يشنّف أذني لعلمي بأنه يخدش مسامع ليبراليّي الوهّابيّة) هشّاً أكثر من أي يوم آخر. لكن سراة الثقافة بيننا ينشرون الخيبة والانهزاميّة والإعجاب بإسرائيل.
لحسن حظ القضيّة الفلسطينيّة لا يأبه شعب فلسطين لما نكتبُ من لفظيّات ولما ندبّجُ من مقالات. الشعب الفلسطيني، وهذا ليس «شعراً»، يرفض أن يخضع، وهذا ما يغيظ لا الصهيونيّة وحدها التي رفضت أن تتقبّل ملاحظة حنة أرندت بأن لغة القوّة هي اللغة الوحيدة التي لا يفهمها «هؤلاء»، بل يغيظ أيضاً حلفاء الصهيونيّة بين ظهرانينا. ماذا تقول في وصف مأساة غزة أو في مأساة مخيّم نهر البارد (التي لم تنتهِ بعد)؟ ماذا تقول عن حصار يزداد تضييقاً بأيدي ذوي القربى؟ ماذا تقول في «العضو القيادي» في حركة اليسار الحريري الذي حمّل «الفكر الغيبي» لحماس، لا إسرائيل، مسؤوليّة القتل والدمار، مع أن صاحبكم معجبٌ بالفكر الغيبي عندما يأتيه من الرياض؟ تساءل ثيودور أدورنو عن جدوى الشعر بعد «أوشفيتز». ونحن بدورنا نتساءل عن جدوى كل ما نكتب أمام هول ما نرى: القتل الحي على الهواء مباشرة في منازلنا، بالألوان والبث الرقمي. ما كتبه المفكر الفرنسي، بودريلّار، عن حرب الخليج ينسحبُ على المُشاهد الغربي فقط: لا، نحن نعلم أن الحرب الإسرائيليّة ضد لبنان وضد غزة هي حقيقة واقعة، لا خدعة سينمائيّة.
المَشاهد كانت مقزّزة، حتى قبل أن يبدأ الهجوم الإسرائيلي على غزة. من ينسى مشهد وزير الخارجيّة المصري وهو يشدّ بيديه ويتضاحك مع وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة قبل ساعات من هجوم غزة. حكامنا ضعفاء ومتهالكون أمام الرجل الأبيض، فما بالك أمام المرأة البيضاء؟ وإذا كان رؤساء القبائل في أفغانستان يبيعون بلادهم مقابل حبّة فياغرا، فحكام العرب يبيعون شعب فلسطين مقابل لمس يد «ليفني». وسمير جعجع يتقدّم بـ«استراتيجيا» للدفاع عن لبنان من العدوان الإسرائيلي، مع أن خطته تضمّنت التسليم بمدأ عدم جدوى المقاومة المسلحة في وجه إسرائيل: أي هي استراتيجيا عدم الدفاع للدفاع عن لبنان. حليف الاحتلال الإسرائيلي «السابق» يريد من الاستسلام أمام إسرائيل أن يصبح استراتيجيا رسميّة للدفاع عن لبنان. هي مثل اتفاق 17 آذار، الذي يريد أمين الجميّل أن يصبح استراتيجيّا دفاع عن لبنان. وجهاد الزين جاهر بالمطالبة بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل، لا بل بصلح مع إسرائيل، فيما كانت الصحافة الإسرائيليّة زاخرة بتهديدات بتدمير لبنان فوق رؤوس أبنائه. نشرة آل الحريري اليوميّة كانت تنشر أخبار تهديدات إسرائيل بزهو لا يخفى، فيما كانت تنشر، مثلها مثل صحافة آل سعود، صوراً وتفاصيل عن الأنفاق الفلسطينيّة، ربما في دعوة لإسرائيل إلى قصفها، كما قدّم وليد جنبلاط في مؤتمر صحافي خرائط مفصّلة عن مواقع شبكة اتصالات حزب الله في لبنان. جهاد الخازن اعتبر أن الأنفاق هي وسيلة تهريب تجاري، لا حياتي، لا أكثر، وكأن التهريب عيب، أو كأن الشعب المُجوّع يموت ولا يهرِّب (مثل المرأة التي «تجوع ولا تأكل بثدييها»).
ثم هناك أبو مازن: كان آخر ضيف عند بوش. لعلّه شكر له دعمه لـ...إسرائيل على امتداد ثماني سنوات. لكن بوش مُحبّ (إذا أردنا استعمال لغة وليد جنبلاط في وصف «كوندي» التي عبّرت في مقابلة وداعيّة عن شديد حبّها لأرييل شارون، مُحبّة، بالفعل هي، يا وليد جنبلاط)، لإسرائيل وأدواتها في المنطقة العربيّة. أبو مازن يعود من واشنطن بجرعات من التشجيع، حتى لو من «بطة عرجاء». أعلن أنه رئيس باق بعد انتهاء ولايته. يطالب عزام الأحمد بالانتخابات وكأن إسرائيل أو أميركا أو فتح اعترفت بنتائج الانتخابات التشريعيّة الأخيرة. ومحمد دحلان (الذي تجاهلت وسائل الإعلام مسؤوليّته عن عقد اتفاق معبر رفح مع إسرائيل والترويج له في وسائل الإعلام العربيّة آنذاك) يجول في أصقاع الأرض في صفقات لا علاقة لها بالسياسة، بمفهوم القضيّة الفلسطينيّة. حصار غزة وتجويع شعبها يستمران بتوافق بين أميركا وأوروبا ومصر والسلطة الفلسطينيّة، كما ذكرت هكذا ببساطة جريدة «النيويورك تايمز». وعبد الله بن زايد وجد بعضاً من الوقت ليزور محمود عباس ويغدق مديحاً على السلام والتعايش مع إسرائيل ووعوداً بالتطبيع، وكأن سلالات النفط لم تباشر التطبيع قبل أعوام إن لم يكن أكثر. تتطلع إلى صعود عبد الله بن زايد، وقربه من إدارة بوش وتنفيذه الصارم للأوامر الواردة من واشنطن وتتيقّن من أن الجيل الثاني من الحكام العرب أسوأ بكثير من الجيل الأول، على سوء الجيل الأول. والجامعة العربيّة تبتاع صفحات في جرائد عربيّة وغربيّة وإسرائيليّة من أجل استجداء تطبيع مقابل لا شيء من إسرائيل. والحكومة السورية تعلن أنها سترتقي في مفاوضاتها مع إسرائيل إلى درجة المفاوضات المباشرة.
كل الدول العربيّة شاركت في حصار غزة وتجويعها. صحافة آل سعود شاركت في المهرجان الأميركي ــــ الإسرائيلي عبر التركيز على أيديولوجيا حماس لأنها غير تنويريّة، وحلفاء خالد ضاهر وداعي الإسلام الشهال وهيئة كبار العلماء في الرياض تنويريّون بشدّة. وحركة حماس تتعامل بحذر مع أعداء القضيّة الفلسطينيّة، وحتى من مع يشنّ مع إسرائيل حروباً عليها. تفسّر الحركة سبب عدم إخلاء مواقعها قبل بدء الغارات بأن «تطمينات» وصلتها من الحكومة المصريّة. تعاني حماس مرضاً يفوق السذاجة في اعتمادها على «تطمينات» من حكومة ذلك الوزير الذي كان يتباسط مع وزيرة خارجيّة العدو أمام العدسات، فيما كانت جريدة «القدس العربي» تسرّب أخباراً عن اتفاق مصري مع إسرائيل بضرب حماس. ووزراء الدحلان، من رياض المالكي (ذلك النموذج البشع لليساري السابق في ساحة فلسطين) إلى ياسر عبد ربه (العرفاتي حتى في زمن ادعاء اليساريّة)، يتسابقون على شكر «خادم الحرمين» الذي بارك حرب إسرائيل على لبنان، وها هو في إعلامه يبارك الحرب الإسرائيليّة على فلسطين. بعض وسائل الإعلام السعوديّة تصرّح عن قصد أو عن غير قصد عن النيّات المكنونة أو المكبوتة. موقع إيلاف المتخصّص في السوقية الإباحية وفي تسليع جسد النساء يطلع بعنوان «الجيش الإسرائيلي يسحق عملاء إيران في غزة»، فيما كان طارق الحميد يلوم الضحايا الفلسطينيّين على مأساتهم.
وفريق 14 آذار المتحالف مع دحلانيّي السلطة أرسل وفداً طالبياً ليحمل شموعاً في وسط بيروت. سمِجو بورجوازية لبنان لا حدود لتقليدهم للرجل الأبيض في المآسي وفي الأتراح. حمل الشموع؟ ليست هذه العادة من شيمنا، لكنهم استوردوها لأنها تتماشى مع «الصراع الحضاري» الذين ينتهجونه في مواجهة عدوانيّة الصهيونيّة. ولماذا لا تتضمّن استراتيجيا 14 آذار الدفاعية بنداً متعلِّقاً بحمل الشموع و«الرخاء» (كما جاء في خطبة نايلة تويني) في مواجهة اجتياحات إسرائيل؟ هذا ما عناه محمود عباس عندما قال إن الرضوخ لإسرائيل كان سيجنب أهل غزة الكارثة. الرفيق خالد صاغية عرض لأوجه المشابهة في خطاب ليفني وفي خطاب عباس: إنها الصدفة، أو إنه توارد خواطر بين حلفاء. والذي لا يحلو له التفاوض مع إسرائيل إلا على موائد عريقات الحميميّة، يرفض بإباء وشمم محاورة حماس.
وتتكاثر دعوات، بعضها بريء وبعضها مغرض، من أجل الوحدة الفلسطينيّة. الوحدة في هذه الأيام، بعدما نشرت مجلة «فانيتي فير» وثائق أميركيّة عن خطة إسرائيليّة لانقلاب دحلاني قبل انقلاب حماس المضاد، غير مطلوبة إطلاقاً. محمد دحلان ظاهرة مرَضَيّة سرطانيّة في جسم الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، والسرطان لا يُعالج إلا بالاستئصال. هل هناك من نادى في لبنان بالوحدة مع جيش لبنان الجنوبي (باستثناء أمين الجميل في مفاوضات 17 أيار)؟ إذا كانت الوحدة تعني إسباغ شرعيّة على فريق مُمَوّل ومُدرّب على يد إسرائيل وحلفائها العرب والغربيّين، فيا مرحباً بالانقسام الفلسطيني. والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة ضمت على امتداد تاريخها دحلانيّين: لكن الحركة لم تلبث أن لفظتهم. سلطة أوسلو فرضت تنصيب فريق دحلاني لحماية إسرائيل من الغضب الفلسطيني، ومن أجل القيام بالمهمات الموكولة كتعذيب الفلسطينيّين وقتلهم إذا توجّب، وقد فعل ذلك دحلان بسرور بالغ في التسعينيات. لكن ما أن تقوم إسرائيل باجتياح أو بقصف حتى تراه، عينه على شاشة آل الحريري وعلى شاشة ورثة الملك فهد الإخباريّة. وجيزيل خوري تتخصّص في تلميع صورة «أبو فادي» كما تخصّصت في تظهير سمير جعجع قديساً.
وهناك تهريج عمرو موسى الذي لا ينتهي. يعلن موت عمليّة «السلام» ثم يحييها بأمر فرعوني لا يُردّ. الجامعة العربيّة ومؤتمراتها: هل يظن حكام العرب أن هناك من يعلّق آمالاً صغاراً أو كباراً عليهم؟ ولماذا لا تُحل الجامعة، وخصوصاً أن النظام العربي الرسمي يودّ، كما أعلن وزير الخارجيّة البحريني أخيراً، أن يضمّ إسرائيل إلى تجمّعهم، الذي قال فيه الشاعر عمر أبو ريشة ما قال، وإن لم يجرؤ على ضمّه في ديوانه؟ لو أن التنظيمات العربيّة الشعبيّة تستطيع أن تخلق جمعيّة أهلية عربيّة بَدَل منظمة أنشأها الاستعمار البريطاني لإجهاض الوحدة العربيّة.
وفقيه «الجزيرة»، يوسف القرضاوي، يدعو إلى قطع العلاقات العربيّة مع إسرائيل «ما لم» توقف عدوانها على غزة. أي أن قطع العلاقات مشروط. هذا هو فقه الاحتلال وفقه التطبيع الذي عبّر عنه شيخ الأزهر، الذي قذف يوماً بمنفضة سجائر في وجه صحافيّة تجرأت على مساءلته. يومها، لم يستنكر إعلاميّو الحضارة فعلة الشيخ، ربما لأنه جنح للسلم مع إسرائيل. ومحطة «العربيّة» بدت كالقسم العربي في إعلام إسرائيلي. كانت تبثّ بصورة دوريّة في تغطية مجتزأة وقصيرة ومختصرة عن أهوال الحرب على غزة رسماً للميزان العسكري بين إسرائيل و...حماس، وكأن الحرب هي حرب كلاسيكيّة. وكان المذيع يجد سعادةً ما في تذكير المشاهد بأن لا دبابات ولا طائرات عند حماس، فيما تنعم إسرائيل بطائرات «إف 16». المقصود هو رفع العلم الأبيض وتسليم غزة للعصابات الدحلانيّة المُنتظرة نصراً إسرائيليّاً كما ذكرت الـ«جيروزاليم بوست».
لكن هناك ما هو جديد في تاريخ الصراع العربي ــــ الإسرائيلي. الصهيونيّة العربيّة ليست ظاهرة جديدة. فهناك الهاشميّون الذين كانوا يطالبون بالرشى (عبر رسائل من الأمير عبد الله نفسه) وهناك الكتائب اللبنانيّة والبطريركيّة المارونية، وهناك أيضاً حلفاء الصهيونيّة في داخل فلسطين قبل أن تُحتلّ. الجديد هو المجاهرة بالتحالف الإسرائيلي مع الصهيونيّة العربية المسيطرة اليوم على جهاز الجامعة العربيّة، والمتمثّلة بالسلطة الفلسطينيّة. ولكنّ هناك درساً بليغاً في ما جرى ويجري: يقول حسين آغا إن أوسلو أرادت تنصيب نموذج من جيش لحد في رام الله. عرفات وقع في فخ أوسلو بكامل إرادته، كما وقعت فيه حماس من دون إرادتها. كان يجب أن تُجمع الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة على رفض الانتخاب في ظل الاحتلال. لم يستعمل المُحتل الانتخابات إلا من أجل إضفاء شرعيّة على أدوات الاحتلال (كما فعل الاحتلال في العراق) ولكن الانتخابات تلهي عن المقاومة وتُنتج دولة وكياناً افتراضيّاً لا تستقيم له حياة إلا في المخيّلة. ثم هناك لوثة الديموقراطيّة، أو «جموح الديموقراطيّة» كما سمّاها توفيق الحكيم قبل عقود في كتابه «تحت شمس الفكر»، التي أصبحت هاجساً. والديموقراطية، أو نسق استعماري اقتراعي (مزيّف) منها، تصبح وسيلة من أجل قمع (لا احترام) حق الشعوب. فالانتخابات الفلسطينيّة أو العراقيّة تستهدف إجهاض حق تقرير المصير، ومقاومتها واجب.
لكن الصراع مع الصهيونيّة طويل الأمد، وهناك جملة من الحقائق التقليدية لم تتغيّر عبر تعاقب العقود والحروب.
1) لا يمكن الظن أن المعركة مع الصهيونيّة قصيرة الأمد.
2) تبقى لاءات الخرطوم (لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف) أفضل عنوان لسقف التعاطي السياسي مع الصراع.
3) جورج حبش كان محقّاً في استخلاص دروس حرب 1967: إن طريق تحرير فلسطين تمرّ في كل العواصم العربيّة.
4) أخطأ جورج حبش في تمييزه بين أنظمة وطنيّة وأنظمة رجعيّة، إذ إنها كلّها سواء في ما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة.
5) إن اللغة السلميّة هي لغة لا يفهمها العدو، ولا يريد أن يفهمها.
6) لن تقوم قائمة للعالم العربي، وخصوصاً في تلك الدول المحيطة بفلسطين، بوجود دولة إسرائيل.
7) الأنظمة العربيّة ليست محايدة في الصراع مع إسرائيل، لا بل إنها مشاركة سرّاً أو جهراً في الحرب ضد شعب فلسطين.
8) الحلّ لا يكمن في شخص مخلّص واحد، وإن مرّ على تاريخنا دجّالون من أعيرة مختلفة روّجوا لأنفسهم على حساب القضيّة.
9) الحلّ الديني للقضيّة يؤلّب الرأي العام العالمي ضدّنا ويتجاهل (مثل الصهيونيّة) تنوّع الأديان والعناصر على أرض فلسطين.
10) يمثّل النظام السعودي اليوم أخلص حليف للصهيونية في عالمنا، ولا تمثّل إعلانات مساعداته (التي غالباً لا تأتي) إلا تغطية لهذا التحالف.
11) لا يمكن الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة أن تنهض بوجود الدحلانيّة في صفوفها، مهما أنفقت حكومات الغرب والعرب على تنصيبه باطلاً.
12) إن شعارات الحكومة الإيرانيّة لا تساعد القضيّة الفلسطينيّة، وخصوصاً أن منظار الرئيس الإيراني للصراع مع إسرائيل يتّسم بكثير من الغيبيّة الدينيّة التي تحجب حقائق الصراع.
13) إن المرأة الفلسطينيّة كانت منذ الثلاثينيات (تُراجع أوراق أكرم زعيتر للتوثيق) عاملاً أساسيّاً في الصراع، وإقدام أية حركة على تغييب المرأة يضعف قوى تلك الحركة، وخصوصاً عندما يقبع أكثر من 10،000 رجل (وامرأة) في سجون العدو.
14) إن سكة الاعتماد على الوساطة الأميركيّة لم تجرّ إلا الويلات ولم تزد إلا من معاناة الشعب الفلسطيني.
15) إن الانتصاريّة المفرطة مضرّة قَدْر ضرر التيئيس المُحبِط.
لكن المؤامرة تستمرّ، وهي تتسع بعدما طُوّعت الأمم المتحدة لمصلحة الامبراطورية الأميركيّة. ومشاهد القتل والقصف اليومي يمكن أن تُُنوِّم الحواس. وثقافة الإلهاء في الإعلام السعودي جارية، والمسلسلات تحوِّل التعاطف مع مأساة فلسطين عملاً أشبه بالتثاؤب. التظاهرات في شوارع العالم العربي ليست في حجم الغضب العارم، ردة الفعل ضد الرسوم الكرتونيّة الدانمركيّة فاقت ردّة الفعل تجاه قصف غزة. وياسر عرفات في الملمّات الكبرى كان يسخر من الجماهير العربية ويّذكّر بأنها دائما تقصّر، مع أنه ساهم في إبعاد الجماهير عن القضيّة بعدما تحوّل مشروعه (الفاشل) لاستقلاليّة القرار الفلسطيني إلى شوفينيّة ضيّقة. لقد تخصصت الأنظمة العربيّة في براعة الحفاظ على نفسها ضد غضب الشعوب، إلى درجة أن محاولات قلب الأنظمة (التي كانت شبه أسبوعيّة في الخمسينيات والستينيات) باتت معدومة. وفسحة التعبير شبه الحرّ في الإعلام العربي تضيق باستمرار، وخصوصاً بعد المصالحة السعوديّة ــــ القطريّة. هناك من يقول: ما في اليد حيلة وأن العالم ليس معنا. هذا غير صحيح: فالرأي العام العالمي (بصرف النظر عن الحكومات) خارج أميركا وإسرائيل أكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني منه مع إسرائيل، لكن قيادة الحركة الفلسطينيّة أهملت هذا الرصيد عبر الاعتماد على «الراعي الأميركي» أو على تلك العبارة التافهة التي استعملها صائب عريقات على امتداد سنوات أربع: «رؤية الرئيس بوش».
من الصعب ومن الغرور لقاطن في الغربة أن يسرد حلولاً أو أن يقدّم اقتراحات. لكن الملاحظة تبقى واجبة، ولو من بعيد. والقدريّة ليست حلاً، أو هي الحل المرتبط بسيطرة إسرائيل. والهزيمة ليست قدراً، بل هي قرار (أو قرارات) تتحمّله الأنظمة المتعاقبة.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)