فايز فارس«أورشليم، أورشليم يا قاتلة الأنبياء والمرسلين إليك». كلام نطق به السيد المخلص أمام أبواب أورشليم «اليهودية» قبل أيام من موعد القبض عليه وتعذيبه وسوقه إلى المحكمة وصلبه منذ ألفي عام. كلام السيد هذا يطغى، فيما البشرية جمعاء تحتفل بذكرى ميلاده المجيد، على كلام سماوي سمعه الرعاة ليلة الميلاد «المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي قلوب الناس المسرّة». لأن السلام لن يأتي وقلوب الناس لن تُسرّ في هذا العالم التائه ما دام هناك حفنة من الصهاينة، يهوداً ونصارى ومسلمين، قد نكثوا بالوعد ورموا بالعهد وباعوا المهد بثلاثين قطعة من الفضة، واختاروا ميلاد السيد ليفعلوا بأطفال فلسطين ولبنان ما فعله هيرودوس الملك اليهودي الجزّار منذ ألفي سنة بأطفال بيت لحم وجوارها عندما سمع من ملوك المجوس أن طفلاً سيوُلد، وأنه سيحمل إلى العالم السلام الحقيقي القائم على العدالة والمساواة بين البشر.
لكن كيف لجماعة متحجرّة في معتقدها، متعصّبة في إيمانها، متعالية عنصرية في تعاملها وعلاقتها بالجماعات البشرية الأخرى، أن تقبل بالسلام العالمي وتشارك في نشره ليعم الأرض قاطبة وتنعم به كل الشعوب والأمم! فقد حاولوا في الماضي السحيق مع هيرودوس قتل الطفل الإلهي ولم يفلحوا، واتفق كهنتهم وأعيانهم بعد 33 سنة على صلبه وتعذيبه حتى الرمق الأخير ولم يفلحوا. وانتظروا، يا لصبرهم الطويل، ألفي سنة ليعيدوا المحاولة مرّات ومرّات مع كل من آمن به رسولاً من عند الله... رسول سلام ومحبة وعطاء وتوبة ومغفرة وتسامح وإلفة وتآخٍ بين البشر من دون تمييز ولا تفرقة.
هي محرقة أخرى ينفذّها اليوم حكّام دولة إسرائيل في الجنوب الفلسطيني بعد سنتين ونصف سنة على محرقة سبق لهم وأشعلوها في الجنوب اللبناني، وفي زمن الفضائيات والإنترنت.
غريب هو أمر حكام إسرائيل، وكأني بهم ما زالوا يحسبون أننا ما زلنا في عام 1948 يوم كان الإعلام بدائياً، وكان الرأي العام العالمي منشغلاً بتداعيات الحرب العالمية الثانية ونتائجها الإنسانية المأساوية على الجميع.
غداً أو بعد غد سيكتب المؤرخون، شاؤوا أم أبوا، أن الطيران الإسرائيلي الغاشم سخّر ذات سبت أسود، مئة طائرة حربية ليرمي خلال ساعات قليلة مئة طن من القنابل على رؤوس مليون ونصف مليون عربي فلسطيني هم سكان قطاع غزة المحاصرة براً وبحراً منذ ستة أشهر، وتسببت بمقتل أكثر من ثلاثمئة رجل وامرأة وطفل وإصابة المئات بجروح ورعب وخوف وهلع... وسيكتبون أن حكّام إسرائيل فعلوا ذلك بهدف تأديب سكان غزة لأنهم رفضوا قبول تمديد هدنة هشّة كاذبة قامت على ابتزازهم وإخضاعهم وإذلالهم، وأنتجت حصاراً صارماً طال الغذاء والدواء وعزل سكان المقاطعة المحرّرة عن العالم أجمع... وسيكتبون أيضاً أن الحكّام العرب على عادتهم، استنكروا ودعوا إلى اجتماع سفرائهم ومندوبيهم ومن ثم وزرائهم قبل إقرارهم بعدم جدوى لقائهم الذي سينتهي بدعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته... فيما المجتمع الدولي يسأل عن الأموال الضخمة التي ذهبت أدراج رياح الأزمة المالية العالميّة.