في وداع عام 2008، قدّم علماء بريطانيون اختراعاً جديداً، هو معجون يُحقن في الجسم لعلاج العظام المكسورة أو المهشّمة، من دون آثارٍ جانبية. ومن المتوقع أن يلقى هذا الإنجاز صدى وترحيباً من العاملين في ميدان جراحة العظم، وأن يبدأ اعتماده في المستشفيات العالمية العام المقبل


غادة دندش
معجونٌ قابل للحقن داخل جسم الإنسان يستطيع أن ينوب عن العظم المكسور أو المفتّت إلى حين نمو هذا الأخير من جديد، هو الإنجاز الذي استحق عليه البريطاني كيفين شايكشف وفريقه من العلماء جائزة Medical Futures Innovation Award. ومن المتوقع أن يجد هذا الاختراع صدى كبيراً في عالم جراحة العظم.
البروفيسور شايكشف، باحث في علوم الصيدلة في جامعة نوتينغهام البريطانية. أما اختراعه فينتمي إلى أسلوب غير حديث في علاج الكسور الكبيرة. فقد أجرى العلماء والباحثون منذ فترة طويلة أبحاثاً تهدف إلى محاولة الاستعاضة عن الجراحة العظمية بأساليب أقل خطورة وصعوبة وتأثيرات جانبية. لكن «السيمنت» الذي رُكِّب سابقاً كان يتطلّب حرارة عالية كي يصبح قابلاً للحقن داخل الجسم، الأمر الذي يؤذي الأنسجة العظمية وغيرها. لذا بقي هذا الأسلوب مكروهاً من الأطباء ولا يلجأون إليه إلاّ في حالات الخطورة القصوى. أما ما توصل إليه شايكشف وفريقه، فهو عبارة عن معجون قابل للحقن، يبقى شبه سائل في حرارة عادية ولا يتحول إلى مادة صلبة إلّا حين يصل إلى مكان العظام المتضررة التي يجب أن ينوب عنها إلى حين نموّها من جديد. تشبه طبيعة هذا المعجون تركيبة معجون الأسنان، وهو قادر على ملء مكان العظام المكسورة أو المهشّمة خلال خمس عشرة دقيقة، حيث يتحول إلى مادة صلبة كالعظام وذات طبيعة مساميّة. هذه المسامّ، التي لا تُفقد العظم البديل شيئاً من صلابته، تسمح للخلايا العظمية الطبيعية بالنمو وتكوين النسيج العظمي الجديد الذي يحتل تدريجاً مكان النسيج العظمي القديم المفقود. في هذه الأثناء يبدأ المعجون العظمي البديل بالتفتت تدريجاً ليحل مكانه العظم الطبيعي الجديد. وتستغرق هذه العملية بضعة أشهر.
العلاج الجديد يسمح بحقن المعجون البديل مباشرة في العظم المتضرر من دون الحاجة إلى الجراحة المعقّدة، من دون إلحاق أي أذى بالأنسجة المختلفة المحيطة بمكان الإصابة. هذا الإجراء يحتاج إلى وضع المصاب تحت تأثير التخدير الكامل أو «البنج العام»، ويترافق مع استخدام الـ scanner أي التصوير المقطعي والتصوير الشعاعي، وذلك من أجل تحديد مكان الحقن بصورة بالغة الدقة.
يقول شايكشف: «ما أن يدخل المعجون الجسم ويحتل مكانه، حتى يصبح بصلابة العظم. وهو يسمح للعظم الطبيعي بالنمو من جديد. وبعد ثلاثة أو أربعة أشهر يتفكّك تدريجاً ويخرج من الجسم عبر الدم ثم البول، تاركاً المكان للعظم الجديد». وفي الوقت الحالي، يستخدم فريق من الأطباء هذا الإجراء في تجارب سريرية. وتؤكد المصادر المطّلعة أن مع نهاية الفترة المحددة لهذه التجارب سيُمنَح الترخيص الرسمي لاستخدام هذا الإجراء في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وترجّح هذه المصادر حصول ذلك مع حلول عام 2010.
وسوف يُستخدم هذا الإجراء فقط في علاج الإصابات البالغة في العظم، أي في حال حدوث كسور متعددة وكبيرة، أو في حال تفتُّت العظام كاملاً في أماكن محددة. أما تسويق هذا المنتج، فسوف يكون عبر Regentec، وهي المؤسسة الرائدة في أوروبا في تقديم الخدمات والمنتجات للطبّ التجديدي Regenerative medecine.
المصاب بكسور خطرة في العظم خلال الجراحة التقليدية وبعدها من مضاعفات كبيرة، وهي مضاعفات تطال العديد من وظائف الجسم، لا بل تتخطاها إلى إمكان الإصابة بما يمثّل خطراً حقيقياً على حياة المريض. فالجراحة التقليدية تتضمّن دائماً احتمال إصابة العظم بالتهاب جرثومي له مضاعفات قد تصل إلى احتمال بتر العضو المصاب. كذلك يخشى الأطباء دائماً احتمال تكوّن الجلطات الدموية المتحركة في مكان الإصابة بعد إجراء الجراحة. بالإضافة إلى ذلك، ورغم حذر الجرّاحين الشديد، إلّا أن احتمال إلحاق الأذى الدائم بالأنسجة المحيطة بمكان الإصابة، ولا سيما الشديدة، أمر وارد باستمرار، ونعني هنا الأنسجة العضلية والعصبية والأوعية الدموية الصغيرة أو الكبيرة. ولكن مخترعي «المعجون» يؤكدون أنه يجنّب المريض كل المخاطر المذكورة.
إضافة إلى الاختراع الذي قدمه شايكشف، وقد نال الجائزة عنه في 29 الشهر الماضي، يعمل علماء من أوروبا والولايات المتحدة على تطوير أساليب أخرى وعلاجات أخرى في مجال جراحة العظم، ومنها استخدام الخلايا الجذعية التي يُمكن زرعها ضمن شروط محدّدة، وذلك كي تنمو وتتحوّل إلى خلايا عظمية تستطيع أن تؤدي جميع وظائف العظم تقريباً مثل إنتاج الكريات الحمراء والكريات البيضاء Lymphocytes B. لكن هذه التجارب لا تزال في طورها المخبري الأول، وتحتاج إلى الوقت قبل أن تنتقل إلى مرحلة تجربتها على البشر.