رامي زريققبل أن تصبح غزة معتقلاً ضخماً، كانت واحة خضراء بين البحر والصحراء. كان البدو يأتون إليها على جمالهم، حاملين بضائع من أراض بعيدة. وكان الصيادون يجنون من البحر رزقهم، ولم يكن البحر يبخل عليهم بكنوزه، بينما يحفر الفلاحون في أراضيهم أثلاماً يغرسون فيها بذوراً يسقونها من مطر السماء ومن مياه الآبار، لتحمل لهم سنابل شقراء وفاكهة شهية.
بقي عدد السكان في غزة محدوداً لفترة طويلة، انسجاماً مع ندرة الموارد الطبيعية وشح المياه. وفي عام 1948، استولت إسرائيل على جزء من فلسطين ومعها معظم أراضي غزة. أصبح الفلسطينيون لاجئين على أرض وطنهم، وتضاعف فجأة عدد سكان القطاع، مما أدى إلى تدهور الموارد النادرة. تقلصت طبقة المياه الجوفية وتراجعت الزراعة ومعها إنتاج الغذاء. قطعت إسرائيل التواصل مع الصحراء واضطهدت البدو الفلسطينيين، لتفرض عليهم التحضر في قرى منفية، وقيدت حركة الصيادين مانعة عنهم استغلال معظم مناطق الصيد التقليدية. أنشأت مستعمرات عاش فيها المحتلون برفاهية مفرطة أدت إلى اضمحلال المياه وتلوثها. ولكي يحافظوا على أفضليتهم في الحصول على الماء، اقتلعوا أشجار البساتين ودمروا المزارع ومنعوا الماء عن السكان. واجه أهل غزة المحتلين بسلاح لم يحتاجوا لأن يمدهم أحد بهم، إذ دافعوا عن قضيتهم بأجسادهم. وبالرغم من كل العوائق، واصلوا زراعة أرضهم وإنتاج غذائهم.
انسحبت إسرائيل ذليلة وضربت حصاراً قاسياً فشل في كسر الإرادة الفلسطينية. عندها، أطلقت يد جيشها المجرم وسكبت في غزة رصاصاً ذائباً. صمدت غزة في وجه النار والدمار وقتل الأطفال. انظروا إلى أهلها الأبطال يحفرون أرضهم كل يوم ليزرعوا فيها براعمهم ويسقوها من ندى الصمود ودموع الروح لتحمل لهم سواعد مقاومة وقلوباً حرة.