أعلن السفير الأميركي في العراق ريان كروكر أن الأشهر المقبلة ستشهد تسليم حماية مدينة أور الأثرية إلى الحكومة العراقية. جاء ذلك التصريح خلال لقاء حصري لشبكة «أخبار الناصرية». كروكر الذي كان في زيارة تفقدية إلى القوات الأميركية المتمركزة في القاعدة العسكرية المجاورة للموقع الأثري، زار الآثار السومرية وبيت «النبي إبراهيم»، معتبراً الموقع دليلاً آخر «على أهمية العراق، فتاريخه يحكي تاريخ العالم بكل معنى الكلمة». وأعلن سفير الولايات المتحدة خلال هذا اللقاء «أنه خلال الأشهر القليلة المقبلة ستسلم حماية مدينة أور من قوات التحالف إلى القوات العراقية، وسيُتخذ عدد من الإجراءات لضمان سلامة الآثار». وتجدر الإشارة إلى أن هذا التصريح هو الأول من نوعه بالنسبة إلى هذا الموقع الأثري الذي ألحقته القوات الأميركية بقاعدتها العسكرية وحظرت على علماء الآثار الدخول إليه، منذ بداية الاحتلال. وتُعدّ مدينة أور السومرية من أولى مدن العالم، وكانت عاصمة للسومريين عام 2100 ق.م. وهي من أشهر المواقع الأثرية وأهمها في العراق. فعلماء الآثار البريطانيون الذين نقبوا الموقع في أوائل القرن الماضي، عثروا على 16 مقبرة ملكية، وعلى المعبد المعروف باسم «زقورة أور» وعلى منزل واسع الأرجاء نُسب لاحقاً إلى النبي إبراهيم.
بعض العلماء حدد هذا الموقع الأثري على أنه «أور الكلدانيين» المذكورة في التوراة، وعلى أنه مدينة النبي إبراهيم (مع العلم بأن هناك 7 مدن أخرى تدعى أور وما من إثبات حسي يؤكد أن أور العراقية هي بالفعل مدينة التوراة). ولكن هذه النظرية كانت كافية لإعطاء الموقع الأثري صبغة دينية كانت على الأرجح هي السبب في دمجه بالقاعدة العسكرية. وبحسب شهود عيان وما جاء في بعض التقارير الصحافية، فقد درجت بين صفوص الجيش الأميركي (والمبشرين الجدد) عادة زيارة الموقع والصلاة في بيت النبي إبراهيم! وبالطبع كان هؤلاء «السياح» يدخلون الموقع من دون أي رقابة عليهم. ومن المؤكد أن زيارتهم تلك ألحقت الضرر بالموقع تماماً كما فعل تحرك الآليات العسكرية الثقيلة. وهنا أتى تقرير الأستاذ عبد الأمير حمداني، مدير آثار محافظة ذي قار، في كتاب «تدمير التراث العراقي» (بويدل وبروكر، لندن 2008) صرخة مدوّية تسلط الأضواء على الأضرار التي تُلحق بالموقع. فجدران المقابر الملكية مثلاً المبنية من الطين تصدعت بسبب ترجرجات الأرض من جراء حركة الآليات العسكرية، كما أن صواريخ «المقاومة العراقية» التي تستهدف القاعدة العسكرية غالباً ما تنفجر في الموقع الأثري على بعد أمتار من الزقورة. هذا إضافة إلى منع علماء الآثار العراقيين من الدخول إلى الموقع.
أخيراً، يبقى التساؤل إذا كان ما جاء في تصريح السفير الأميركي سيُنفّذ حقاً، وبذلك يُنقذ الموقع ويعود إلى أهله، أم أن الوعد سيضيع، وتبقى الآثار مستباحة للطاقم العسكري؟ سؤال ستطول الإجابة عنه شهوراً عدة.