بول ستريت*أثناء تمتّعه بعطلة باذخة في هاواي مع عائلته في منزل على الشاطئ قيمته 9 ملايين دولار أميركي، كان رد الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما «لا تعليق» على المذبحة في غزة. لكنّ المتحدّث باسم أوباما والمسؤول عن الإعلام لديه، دايفيد أكسلرود، ساند عمليات قتل أطفال غزة، على شاشة NBC في برنامج «واجه الأمّة» (Face the nation). «طبعاً، بالتأكيد، الرئيس المنتخب يعترف بالعلاقة المميزة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل»، قال أكسلرود، «يوجد رابط مهم، وعلاقة مهمة. سيقوم باحترامها... ومن الواضح أنّ الوضع أصبح معقّداً أكثر في الأيام والأسابيع الماضية. فمع بداية قصف حماس، ردّت إسرائيل». «كان الرئيس المنتخب في سديروت في تموز الماضي»، أضاف أكسلرود، «في جنوب إسرائيل، وهي مدينة عانت هجمات حماس... وقال آنذاك إنّه عندما تنهمر القنابل على شعبكم، هناك حاجة إلى الرد والعمل لمحاولة وضع حدّ لذلك. كما تعرفون، هذا ما قاله، وأظن أنّ هذا ما يؤمن به». بعبارة أخرى، القصف الإجرامي الإسرائيلي لغزة ـــ التحضير لاجتياح بري ـــ كان رداً شرعياً، لا اعتداءً، من وجهة نظر أوباما. هذا كان رد فريق أوباما على الغضب الإسرائيلي الأخير ـــ أي جرى استخدام العبارة ذاتها التي استخدمتها إدارة بوش. تجاهلت هذه العبارة عدم التناسب الجسيم لرد إسرائيل، الذي قتل مئات الفلسطينيين، العدد الأكبر منهم من المدنيين، مقابل مقتل سبعة عشر إسرائيلياً بسبب الحجارة الفلسطينية خلال السبع سنوات الأخيرة.
كما محت العبارة واقع أنّ إسرائيل لا حماس (المنظمة الإسلامية التي تسيطر انتخابياً على السلطة في غيتو غزة)، هي من خرقت هدنة الستة أشهر عبر قصف غزة بصواريخ عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية.
لا يمكن اعتبار رد فريق أوباما تجاه ما تفعله إسرائيل مفاجئاً رغم أنّه يدفع إلى اليأس. وكان واضحاً تردُّد أوباما في مساءلة النظرة التقليدية للسياسة الخارجية الأميركية، من خلال تصريحاته وأفعاله تجاه المسألة الإسرائيلية ـــ الفلسطينية.
ساند السيناتور أوباما، في بداية حياته السياسية، مواقف ناشطي السلام الإسرائيليين ومناصريهم. خلال حملته لانتخابات مجلس النواب التي فشلت في 2000، على سبيل المثال، انتقد أوباما إدارة كلينتون لمساندتها غير المشروطة للاحتلال وسياسات إسرائيل الأخرى. ونادى أوباما بـ«مقاربة متساوية» للصراع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي، وأشار إلى «دورة العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين» في الوقت الذي انضم فيه معظم الديموقراطيين إلى الجمهوريين في مناقشة الصراع من منظور الاستفزاز الفلسطيني والرد الإسرائيلي عليه. ادّعى أوباما أنّه يساند اتفاق سلام فلسطينياً ـــ إسرائيلياً متوافقاً مع مبادرة جنيف ومرتبطاً باقتراحات المعتدلين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكنّ هذه المقاربة لم تكن لتستمر مع طموحات رئاسية في ثقافة سياسية يواجه فيها أي انتقاد لتصرفات إسرائيل خطورة انتخابية.
بصفته سيناتوراً أميركياً ومرشحاً رئاسياً، كانت تصريحات أوباما بشأن إسرائيل ـــ فلسطين مطابقة تقريباً لتصريحات إدارة بوش التي دعمت حكومة إيهود أولمرت اليمينية (منذ الرابع من كانون الثاني 2006 حتى اليوم) في كل مسألة سياسية هامة. ناقش أوباما أنّه «يجب ألّا نسعى إلى فرض ما نظنه الأفضل ويقع ضمن الاهتمامات الأمنية، على الإسرائيليين»، وادعّى أنّه ينبغي عدم «جرّ» أي رئيس وزراء إسرائيلي رغماً عنه إلى أية مفاوضات مع الفلسطينيين بغضّ النظر عن مدى عدم شعبيته وإجرامه (مثلاً أولمرت).
التناقضات التي تبناها أوباما وتغاضى عنها خلال سعيه لإرضاء إسرائيل ومناصريها الأميركيين المتشددين كانت واضحة جداً، كما أكدّ محلل العلاقات الخارجية ستيفن زونس في كانون الثاني الماضي: «رغم رفض إيهود أولمرت تجميد بناء المستوطنات غير الشرعية، وإنهاء عملية الاستيلاء على المراكز الخاصة بالشعب الفلسطيني، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الفلسطينيين ـــ أو حتى القيام بأية إجراءات أخرى تعزّز بناء الثقة ـــ فضلاً عن الموافقة على إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ـــ قال أوباما في خطابه أمام آيباك (لجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية) في آذار 2007 إنّ أولمرت «أكثر من مستعد للمفاوضة على إنهاء الصراع الإسرائيلي ـــ الفلسطيني الذي ستنتج منه إقامة دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن». وفي الوقت نفسه، اعترف أوباما في آذار الماضي بأنْ لا أحد يعاني أكثر من الشعب الفلسطيني، نتيجة عملية السلام الطويلة، لكنّه مذّاك لام الفلسطينيين على أنّهم العائق لا الاحتلال الإسرائيلي».
ورفض أوباما مراراً إصرار ناشطي السلام الأميركيين على جعل المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل مرتبطة بالتزام الحكومة الإسرائيلية القانون الدولي وحقوق الإنسان.
كانت أهم اللحظات في حياة أوباما كـ«مناهض للحرب» عندما وقف إلى جانب الطبقة السياسية الأميركية في رفض الانضمام إلى الرأي العام العالمي وإدانة غارات القتل الجماعي الإسرائيلية على لبنان. لم يكتفِ أوباما باسترضاء عنف إسرائيل الكبير في صيف 2006، بل هرع إلى الدفاع عن حكومة أولمرت، فرعى قراراً من مجلس الشيوخ يدافع عن الاعتداء. أصرّ أوباما على تحميل حزب الله تبعات موت أكثر من 800 مدني لبناني بعدما رفض تحميل أية مسؤولية لإسرائيل عن ذلك. ادعّى أوباما أنّ حزب الله استخدم «مدنيين أبرياء دروعاً». لم يكترث بأنّ مجموعات محترمة تعمل في مجال حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش اكتشفت عدم وجود أدلة تدعم هذه الحجة. عندما اتصل زونس بالمسؤول الإعلامي لدى أوباما للحصول على براهين على حجة «الدروع البشرية»، أرسل إليه موظفو الرئيس المنتخب رابطاً لملف يفتقر إلى الأدلة والتوثيق أعدته مؤسسة بحثية إسرائيلية تنتمي إلى معسكر الصقور ويديرها رئيس الموساد السابق. وتجاهل موظفو أوباما «طلبات إضافية لمصادر موثوق بها أكثر».
وورد في مقال سابق لزونس ذكرُه أنّ «مسيرة أوباما كسيناتور أظهرت ما يمكن أن يراه البعض نوعاً من العنصرية المناهضة للعرب. فقد دان بطريقة روتينية الاعتداءات التي يقوم بها العرب على المدنيين الإسرائيليين، لكنّه لم يدن أبداً اعتداء الإسرائيليين على المدنيين العرب».
يمكننا هنا سوق مثال فاضح عما يمكن أن يراه البعض عنصرية مناهضة للعرب من جانب أوباما، وذلك عندما شددت إسرائيل الحصار على غزة في كانون ثاني الماضي. ففي الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يكافحون للبقاء على قيد الحياة رغم الحصار الذي لم يستثنِ الطعام والوقود والأدوية، أرسل أوباما الرسالة التالية إلى مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة:
«عزيزي السفير خليل زاد، لقد علمت أنّ مجلس الأمن التأم اليوم لمناقشة ما يحصل في غزة وأنّ هناك قراراً يجري التحضير له ليصدر عن المجلس في هذا الصدد. أحثّك على ضمان أنّ مجلس الأمن لن يصدر أي تصريح أو قرار في هذا الشأن إن لم يدن بالكامل هجمات الصواريخ التي تطلقها حماس على المدنيين في جنوب إسرائيل... كلنا قلقون بشأن نتيجة إغلاق الحدود على العائلات في غزة، لكن يجب أن نفهم لماذا تجد إسرائيل نفسها مجبرة على فعل ذلك... يجب على مجلس الأمن أن يدين بكل وضوح وإجماع هجمات الصواريخ... إذا كان من الصعب الوصول إلى قرار كهذا، أحثّك على التأكد من أنّ المجلس لن يتكلّم أبداً»...
وعندما زار أوباما الشرق الأوسط في تموز الماضي، قام بالزيارة التقليدية الإجبارية للنصب التذكاري الإسرائيلي للمحرقة النازية، إضافةً إلى حائط المبكى، والتقى طيفاً كبيراً من السياسيين اليهود الإسرائيليين، كما سافر إلى مدينة إسرائيلية تعرّضت لهجمات حماس الصاروخية. كرّر أوباما مراراً مساندته لإسرائيل، وأعرب عن غضبه من العنف الفلسطيني. لكنّه بقي صامتاً حيال الاستعمار الإسرائيلي للأراضي المحتلة. لم يتبع خطى الرئيس السابق جيمي كارتر الذي وافق على لقاء قادة حماس المنتخبين ديموقراطياً وهم الذين ناقشت معهم إسرائيل وقف إطلاق النار.
لقد فوّت أوباما على نفسه ما سماه ناشط السلام الأميركي الفلسطيني علي أبو نمّه «الفرصة لزيارة مخيمات اللجوء الفلسطينية، والمدراس وحتى المجمعات التجارية، ليشاهد بعينه الدمار الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي والمستوطنون، أو ليرى ما يعانيه الفلسطينيون في ما يمكن أن نسميه الفصل العنصري».
لم يعتذر أوباما للفلسطينيين عن تصريحاته السابقة (أمام أيباك في تموز 2008) التي تدعو إلى قدس موحدة كعاصمة للإسرائيليين ـــ وهو أمر لم يقله جورج بوش من قبل.
وأنكر المسؤولون عن المؤتمر الديموقراطي في 2008 حق رئيس جمهورية ديموقراطي سابق من الكلام. فقد منع جيمي كارتر من الكلام لأنّه ارتكب خطيئة لا تغتفر عندما قال إنّ اسرائيل تتحمل مسؤولية محنة الفلسطينيين. كما يعج فريق أوباما الاستشاري والانتقالي بمناصرين للاحتلال الإسرائيلي وسياسات الفصل العنصري. كبير موظفي البيت الأبيض لديه هو مناضل مناصر لإسرائيل وابن صهيوني مناهض للعرب.
لكل هذه الأسباب وغيرها يجب على مناصري السلام والعدالة الأميركيين أن ينزعجوا لا أن يُفاجأوا بأنّ فريق أوباما يبدو عاجزاً عن اعتبار الفلسطينيين ضحايا حقيقيين وجديرين بالقمع الإسرائيلي. رفض أوباما، منذ دخوله مسرح السياسة الأميركية، تعقيد «سلامته الانتخابية» عبر الاعتراف بوقوف اسرائيل وراء معاناة إنسانية كبيرة في غزة أو الضفة الغربية، أو الاعتراف بالدور الكبير الذي تؤدّيه الولايات المتحدة الأميركية عبر تمويل إسرائيل وتجهيزها كي تستطيع تسبيب هذه المعاناة. في هذه المنطقة كما في مناطق أخرى من العالم، على من يرغب في رؤية تغيير فعلي وتقدمي خلال فترة حكم أوباما أن يحارب من أسفل السلم. لا يمكن التوقع من الرئيس المقبل أن يبتعد عن نسق المساندة الأميركية لجرائم إسرائيل الذي أصبح اعتيادياً اليوم، إلا عندما تصبح المقاومة الشعبية لهذا النسق أخطر من أن يجري تجاهلها.
* كاتب وناشط صدر له أخيراً كتاب «باراك أوباما ومستقبل السياسات الاميركية»
(عن موقع «زي ماغ» ـــ ترجمة ديما شريف)