بيسان طيتؤلمنا الصور الآتية من غزة، يوجعنا الموت الذي يخنق أطفالاً ونساءً وعجائز وشباناً... ألمنا دليل عافية، نحن نتوجع إذاً نحن ما زلنا على قيد الحياة. بكاؤنا دليل عافية، العين التي تذرف الدمع لم تفقد النور. صراخنا وتظاهراتنا واعتصاماتنا دليل عافية، ما زال فينا نبض كي نقول لا.
فعل المقاومين في غزة، وقبلهم المقاومون في لبنان وفي العراق دليل عافية، الاهتراء لم يتحوّل غرغرينا.
لكن الألم دليل وهن أيضاً. الوقت للبكاء ولكنه أيضاً وقت للنقد الذاتي، بل إن كل عدوان إسرائيلي أو أميركي على الوطن العربي هو وقت لإعادة البحث بما نفعله، ونفكر به، وببعض تفاصيل الحياة اليومية.
ما دخل الأسرة في هذا الأمر؟
لقد نشرنا في هذه الصفحة تحقيقاً قلنا فيه «حدثوا الأطفال عن غزة». ومن المهم ألا ينتهي الحديث مع انتهاء العدوان، وهو ضروري لتربية الطفل الذي سيصبح مواطناً مسؤولاً لا فرداً أنانياً جشعاً.
بداية لننظر في وجوه أولئك الذين نعرف أنهم من أسباب هزيمتنا، لنمحص في التركيبة التي تتألف منها مجموعة المسؤولين والعاملين في وزارات الخارجية لدول «الاعتدال العربي»، حسب التسمية الأميركية ــــ الإسرائيلية.
المسؤولون في تلك الوزارت ينتمون إلى أسر شاركت في نهب خيرات شعوبها، بنت ثرواتها من خلال الفساد والتحالف مع شركات عابرة للقارات أو انتمت إلى أحلاف سياسية ــــ اقتصادية تملك الكلام الفصل في كيفية إدارة الثروات الطبيعية والموارد الطبيعية العربية واستغلالها.
وهم أبناء أسرٍ رفضت الانتماء الثقافي والحضاري العربي، ولكنها فشلت في تقليد الغرب.
هؤلاء هم من يرفض فعل المقاومة، وهم من يمكن توصيفهم بأنهم ليسوا مواطنين، كل واحد فيهم فرد أناني لا يبالي بعذابات الآخرين.
إن النقد يجب أن يبدأ من العائلة الصغيرة. فنحن أخفقنا في تقليد مشية الحجل، ونسينا مشيتنا. نتابع أولاداً من الطبقة الوسطى، آباؤهم وأمهاتهم من حملة الشهادات الجامعية، هؤلاء الأهالي يغضبهم العدوان على غزة، ويعذبهم التواطؤ الرسمي العربي مع سياسات الاحتلال. ولكنهم يخفون على صغارهم ما يجري خلال العدوان، وهذا خطأ كبير. أما الأسوأ فيكمن في ممارسات الآباء والأمهات التي تخفي إعجاباً «ثقافياً ــــ اجتماعياً» بالنهج الفكري الذي أنتج «أبناء خط الاعتدال».
لا يكفي الألم للعدوان، علينا أن نقتنع بأننا نستحق الحياة كشعب، لا كأفراد فقط، وللشعب تاريخ يجب أن يحترم، ومستقبل يحلم به، ولغة يتحدث بها، أما أسر الطبقة الوسطى في لبنان ودول عربية أخرى فإننا نسمعها تردد أمام الصغار «ما نفع اللغة العربية»، نسمعهم يحدثون أولادهم بالفرنسية أو الإنكليزية ليحجزوا لهم مكانة في «المجتمع المخملي»، ونسمع الأولاد ينكرون انتماءهم، صغاراً تائهين لا يعرفون مثلاً أن لبنان وطنهم، لا يقرأون القصص إذا كُتبت باللغة العربية.
هذه ليست دعوة للتعصب والانغلاق، بل دعوة للعلم والانفتاح والتعرّف على كل نتاجات العصر، دون أن يترافق ذلك مع احتقار الذات.
إنها دعوة لرفض الوضع القائم، نحن أمام نموذج غريب لمغلوب يتشبّه بالغالب في المأكل والمشرب... والكلام، ولا يفهم لماذا يُقدّر له أن يظل في موقع الضحية.