«زهور الدكتور باخ» من الأساليب العلاجية البديلة التي تعرفها دول غربية، إنها علاجات تربط بين آلام الجسد والنفس، وفي لبنان بدأ العمل على استخراج علاجات من زهور محلية. أنها استعادة لمفهوم علمي يركز على موادّ في حالة الكثافة الخفيفة جدّاً تخضع لقوانين جديدة تنتمي إلى علمٍ جديد
غادة دندش
في الثلاثينيات من القرن الماضي، اكتشف الطبيب البريطاني إدوارد باخ أسلوباً جديداً لاستخراج المواد العلاجية من الزهور. وقد لاقت زهوره الثماني والثلاثين و«أدويته» رواجاً واسعاً في مختلف أنحاء العالم من حيث استخدامها في شكلها النهائي. لكن بعض البلدان في السنوات الأخيرة بدأت بمحاولة استخدام «تقنية» باخ من أجل دراسة «زهورها المحلّية»، واستخراج المواد منها. ويعود الفضل في هذه المبادرة إلى الدكتورة سهى بيطار الطبيبة النسائية والمعالجة النفسية ـــ والمنتمية إلى مدرسة الطبّ التماثلي الذي يعتمد توعية القدرة الطبيعية للشفاء عند المريض منذ 1999.
أسّست بيطار، بمساعدة بيما ساندرز، المُعالِجة بالطبّ التماثلي والبريطانية الأصل، شركة «نجمة» التي تُعنى بإكسير الزهور و«خلاصات الطاقة» التي يتمّ استخراجها محليّاً من الزهور والمواقع المنتشرة في سهول بلادنا ووديانها وجبالها. وشركة «نجمة» هي الأولى من نوعها في لبنان من حيث اعتماد أسلوب باخ في استخراج وحفظ «أدويتها». كان الدكتور باخ يضع الأزهار في وعاء من الزجاج، ويضيف مياه ينبوع صافية ثمّ يترك الوعاء ليتعرض لأشعة الشمس نحو ساعتين أو ثلاث ساعات. بعد ذلك كان يأخذ الماء ويحفظه في الـ«براندي» لأن هذا الأخير مصنوع من النباتات، ولأنه يبقى حيّاً عبر استمرار التفاعلات فيه. وتشرح بيطار الأساس الفلسفي العلمي لهذا الأسلوب العلاجي الجديد القديم، إذ تلفت إلى أن جذوره تمتدّ إلى الصين القديمة، حيث اعتمد أطباؤها على «قطر الندى» الموجود فوق الزهور من أجل علاج الحالات الانفعالية والنفسية المختلفة. وتضيف بيطار أن أسلوب باخ في استخراج المواد من الزهور يعطي كثافة للمحلول لا تتعدّى كثافة المواد في قطرات الندى.
الكثافة المتناهية الصغر مطلوبة من أجل الحصول على النتيجة المرجوّة. وفي شرح مسهب تقول بيطار إن الإنسان مادة كثيفة هي الجسد، وحالة أثيرية لطيفة هي الروح والنفس والانفعالات والأفكار، وإن معالجة هذه الأخيرة يجب أن تتمّ عبر مواد أقرب إلى طبيعتها اللطيفة. ومن هنا فعالية المواد المستخرجة والمركّبة على طريقة باخ. ويؤكد علم الفيزياء وبالتحديد الـ quantique Physique أن الجزء المتناهي الصغر لا يخضع لقوانين الفيزياء التقليدية، تلك التي تضبط حركة الأجسام ذي الأحجام العادية والكبيرة (Loi de Newton)، وهذا هو الأساس في أن المحلول الذي لا تتعدّى كثافته الـ 1 على 5000 يغيّر من طبيعة المادة، ويجعلها تتفاعل مع الجسم البشري ومع الانفعالات والحالات النفسية بطريقة مختلفة عن ذاتها المادية حين تكون كثافتها أكبر. إن المواد في حالة الكثافة الخفيفة جدّاً تخضع لقوانين جديدة تنتمي إلى علمٍ جديد. وقد استخدمت شركة «نجمة» حتى الآن «تقنية» باخ على ستة أنواع من الزهور في لبنان واستخرجت منها الإكسير المناسب للحالات الانفعالية والنفسية المختلفة. هذه الزهور هي Barbary Nut لمن يعانون من تغيّرات حادة في المزاج والـ Cyclamen لمن يعيشون بمرحلة انتقالية صعبة والـ Judas Tree التي تساعد على المغفرة للنفس وللآخرين، والـPhoenician Anemone وهي تساعد في حالات الحزن الشديد من فقدان عزيز أو قريب، والـ Poppy التي تعين من يحاولون التخلّص من الإدمان على مختلف أنواعه، والـ Rock Rose التي تعالج الانهيار الناتج من الخوف. كذلك لدى «نجمة» مجموعة من ست «خلاصات الطاقة» والتي تمّ الحصول عليها من مواقع مختلفة من لبنان مثل معبد أشمون في صيدا ومغدوشة وشكا وغيرها من المناطق. إن هذه المواد تعمل على إعادة التناغم بين الروح والنفس والجسد عبر معالجتها للحالات الغريبة عن طبيعة الإنسان الذي يتمتّع بصحّة نفسية وجسدية سليمة. وهي عبر معالجتها للانفعالات المضرّة والحالات المرضية التي تعاني منها النفس إنما تقوّي الجسد. لم يعد أكثر مؤيّدي الطبّ التقليدي تطرّفاً ينكرون أن معظم الأمراض الجسدية قد تعود إلى أسباب نفسية مزمنة. لذا بات العلم من جديد يلجأ إلى النظرة الحكيمة التي لا تفصل بين مكوّنَي الإنسان: الروح والجسد، وذلك في جميع المجالات ولا سيّما في مجال الصحّة. ومن اللافت أن الطبيعة قد هيّأت في مخزونها اللامتناهي علاجاً لكل داء. وإن الخبراء ومنهم بيطار وزميلاتها المتتلمذات على يد مدرسة باخ العلاجية يؤكّدون أن لكل زهرة في الطبيعة إشارة في تكوينها تدلّ على تأثيرها العلاجي.


وقفة

تناغم الروح والعقل



«ما دامت الروح في تناغم مع العقل والجسد لا يمكن أن يصيبنا أي أذى». انطلاقاً من هذه القناعة، التي تجد جذورها في الكثير من الديانات والفلسفات الشرقية، بدأ الدكتور إدوارد باخ البحث عن العلاج الناجع للأمراض البشرية على خلافها. هذا الانكليزي المولود عام 1886 تدرّج في بحثه عن الطريقة الفضلى لتحقيق الحلم الذي راوده منذ الطفولة، والذي أراد فيه أن يعالج الناس دون كلفة عالية وبشكل نهائي من جميع الأمراض. خلال عملية التدّرج هذه، اختار بداية الطب التقليدي، فتخّرج من جامعة C.H.U في لندن عام 1912، وقد حصل على ديبلوم في الطب ومارس المهنة أعواماً طويلة بنجاح لافت.
لكن شعوره بعدم الرضى حيال النتائج التي كان يحرزها، جعله يتخلى عن منصبه ويحاول من جديد اكتشاف طريقة أنجع في مقاربة الأمراض. هذا الأمر قاده نحو علم المناعة حيث لاحظ خلال عمله في مختبرات جامعته القديمة في فرع علم البكتيريا أن هناك صلة واضحة ومهملة لدى الأطباء بين بعض الأمراض المزمنة والبكتيريا الموجودة في الأمعاء. وقد استطاع نتيجة التجارب التي أجراها على هذه البكتيريا أن يكتشف لقاحاً تخطّت فعاليته جميع التوقّعات. لكن عدم تجاوب جميع الأمراض المزمنة مع اللقاح دفع الدكتور باخ من جديد إلى البحث عن أسلوب أكثر نجاحاً. في هذا الوقت بدأ اهتمامه بأعمال مؤسس فكرة الطب التماثلي الدكتور هانيمن. وجد باخ الكثير من التشابه بين نظرته إلى أساليب العلاج الناجعة وأسلوب هانيمن في مقاربة الأمراض التي تعمّق في دراستها من خلال كتاب أورغانون لهانمين. في تلك السنة أصيب باخ بمرض عضال جعل الأطباء يؤكدون له أن ما بقي له من وقت لا يتجاوز ثلاثة أشهر، وهذا ما جعله ينكبّ على تجاربه في محاولة لاستكمال بحثه قبل فوات الأوان. وكانت نتيجة هذا الانكباب الكامل تحسّن صحته واختفاء المرض، الأمر الذي رسّخ لديه الاقتناع بأن جميع الأمراض قد تتراجع أمام حالة نفسية وروحية تواقة إلى تحقيق هدف ما. وبسبب المزج بين أسلوبه وأسلوب هانيمن استطاع باخ أن يكتشف مجموعة من اللقاحات وبالتحديد سبعة كان لها تأثير منقطع النظير في علاج السموم الأمعائية والأمراض المزمنة الناتجة أو المتصلة بها، وقد تبنّى الجسم الطبي التقليدي لأول مرة هذه اللقاحات التي كانت تُعطى للمرضى وفق أسلوب الطب التماثلي. لكن النتائج لم تكن مرضية بالنسبة إلى طبيبنا فاستأنف تجاربه وغادر العاصمة لندن كي يعود إلى الريف الانكليزي الذي طالما عشقه. حدث ذلك عام 1930 وكان باخ قد بلغ الثالثة والأربعين من العمر، وقد ترك خلفه مرضاه وموقعه العلمي وسمعته لأن زملاءه لم يدعموا توجّهه الجديد. لقد أدرك باخ خلال مراقبته لحقول الأزهار في تجواله في الريف أن قطرات الندى لا بدّ تحمل خصائص من الزهرة التي تبقى فوقها طوال ساعات، واستطاع بفضل تجاربه وملاحظته الدقيقة أن يبتكر أسلوباً جديداً في استخراج المواد الضرورية من الزهور يشبه أسلوب قطرات الندى في استخراج هذه المواد. لقد قام بين عامي 1930 و1936 بتركيب نحو 38 إكسيراً من زهور مختلفة تعالج مجموعة واسعة من الحالات النفسية والعقلية والانفعالات المختلفة الناتجة عنها والامراض الجسدية المرتبطة بها. وكان قد بدأ منذ عام 1934 باستقبال المرضى في منزله قرب لندن وقد أظهرت زهوره ولا تزال نتائج مميزة في تأثيرها بالرغم من استمرار استغراب الطب التقليدي لها. لكن بعض الدول مثل فرنسا بدأت تبيع «أدوية» د. باخ في صيدلياتها وذلك منذ عام 1990.
توفي باخ في السابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1936، لكن تلاميذه ومؤيّدي أسلوبه أكملوا عمله وحوّلوا منزله إلى مركز للعلاج بـ«زهور باخ». لم يفقد هذا المركز أهميته حتى يومنا هذا، بل إن أسلوب باخ في تحضير واستخراج المواد الناجعة من الزهور قد انتشر في الكثير من بقاع الأرض مثل أوستراليا والولايات المتحدة وكندا وغيرها.