أمل عبد اللهالخلايا البشرية هي الحجر الأساس في بناء جسم الإنسان. ولكنها تمثّل أيضاً بيئات حاضنة لأنواع متنوعة من البكتيريا التي تعيش وتتكاثر في أماكن مختلفة من الجسم. هذه البيئات القائمة على التفاعل بين البكتيريا والخلايا البشرية، وتؤثر بصورة مباشرة على الوضع الصحي للإنسان، تُعرف بالـmicrobiomes. في محاولة لدراسة التغيّرات والعوامل المؤثرة في هذه الميكروبيومز، أطلقت المؤسسة الوطنية للصحة في الولايات المتحدة مشروعاً سمّي «Human Microbiomes Project» الذي يهدف إلى وضع خريطة جينية لهذه الأنواع من البكتيريا، ومقارنتها بالمحتوى الجيني لأنواع منقرضة من البكتيريا كان يستضيفها الجسم البشري قبل آلاف السنين. وتبحث هذه الدراسة عن عوامل «بيئية» قد تكون مشتركة بين البشر، ليس عبر العالم فحسب، بل أيضاً عبر التاريخ. في هذا الإطار، يقوم البروفيسور سيسل لويس أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة أوكلاهوما بتحليل الحمض النووي لبكتيريا موجودة في فضلات متحجّرة لأناس عاشوا قبل 1300 عام. وتعطي دراسة هذه الفضلات معلومات عن الميكروبيومز التي كانت تحويها الأمعاء، ونوع البكتيريا التي استوطنتها، وذلك عبر إجراء تحليل مشابه لفضلات أشخاص أحياء يبيِّن وجه الاختلاف في الميكروبيومز. إذ تأثرت هذه الميكروبيومز في الماضي بالبقعة الجغرافية التي كان يعيش فيها الإنسان. أما اليوم، ونتيجة الانفتاح الاقتصادي، فقدت العوامل الجغرافية تأثيرها إلى حد كبير.
وإذا عرفنا الآثار الصحية الإيجابية لهذه البكتيريا المنتشرة في أماكن مختلفة، كالجلد والمريء والأمعاء، ندرك أهمية توفير البيئات المناسبة لنموّها، فهي تسهم في عملية الهضم والأيض، كما تسهم في إنتاج أنواع من الفيتامينات وتقوية جهاز المناعة.
إن التلاعب في هذه الميكروبيومز قد يسبّب مشاكل متعلّقة بمرض السكري وجهاز المناعة. فاحتمال الإصابة بالحساسية يرتفع عند الأطفال الذين يعالجون بمضادات الالتهاب نتيجة خلل في تطور جهاز المناعة عندهم. وبحسب لويس، يجب النظر إلى أنفسنا كمخلوقات ضخمة تستضيف الميكروبات من مختلف أنحاء العالم، والحفاظ على صحتنا يقتضي منا الحفاظ على صحة من نستضيف.