كارين عبد النورهل صحيح أنّ المراهق الطائش الذي يصفه معلّموه بسوء التصرّف في المدرسة هو أكثر عرضة لاختبار صعوبات مستقبلاً؟ هل صحيح أنه سيعاني الاكتئاب وقد ينفصل عن زوجته وعائلته؟
هذا ما أكّدته دراسة نُشرت أخيراً في مجلة «بريتيش ميديكال جورنال»، وقد أعدها باحثون من جامعة ألبرتا الكندية، وأدارها ايان كولمان الذي استعان بمعلومات قدّمها مجلس البحوث الطبية الوطني لمعاينة الصحة والإنماء.
درس الباحثون المشاكل الصحية والاجتماعية لأكثر من 3500 راشد، كان أساتذتهم قد راقبوا سلوكهم حين كانت تتراوح أعمارهم بين 13 و15عاماً.
ومن النتائج التي توصّلت إليها الدراسة أن الأشخاص الذين يعانون مشاكل التجهّم والصرامة في تصرّفهم، هم أكثر عرضة لترك مدرستهم قبل الحصول على أي شهادة والانخراط في حياة تملأها المتاعب، من الاكتئاب إلى القلق النفسي، والطلاق والمشاكل الاقتصادية.
يقول كولمان: «إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأعباء التي يفرضها المجتمع من جهة والضغط النفسي الذي يعانيه المراهق نفسه من جهة أخرى، لوجدنا أن النتائج تستدعي إيجاد وسائل جدية نتمكن عبرها من حسن إدارة حياة هؤلاء».
ويعاني أكثر من 7% من تلامذة المدارس الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و15 عاماً من المشاكل السلوكية. وقد زادت هذه النسبة بوضوح في العقود الثلاثة الأخيرة.
يُذكر أن دراسات سابقة أكدت أن المجتمع يرزح تحت أعباء ثقيلة يحمّله إياها أولئك الأفراد الذين يعانون مشاكل السلوك المتجهّم، وهذا ما يرتّب عليه زيادة احتياجاته لتأمين مزيد من التربية والصحة والسعادة لأبنائه.
المفاجئ في هذه الدراسة أنها ناقضت الاستنتاجات السابقة التي أكدت تعاطي الطلاب الطائشين الكحول. فهؤلاء، رغم معاناتهم النفسية والاجتماعية، لم يجدوا في الكحول علاجاً لمشكلتهم.
تعلّق كريستين بلوير، نائبة الأمين العام للاتحاد الوطني للمعلمين: «إن الأمر غالباً ما يتعلّق بالإحباط الذي يصاب به الأساتذة، والذي يعيق مساعيهم لناحية الاهتمام بتلامذة يعانون من تصرّفات تدعو للوقوف إلى جانبهم».
إضافة إلى ذلك، على الأساتذة متابعة تلاميذهم ومساعدتهم في مشاكلهم حتى المنزلية منها، ويجب أن تكون هذه الأهداف من أولويات اهتماماتهم، ولتحقيق ذلك لا بد من تكريس بعض الوقت لهذه المهمة. كذلك، على جميع المدارس أن تحظى بمصادر تمويل كافية تؤهّلها لتدريب بعض المستشارين، ودور هؤلاء التخفيف قدر المستطاع من الضغوط التي تمارس على الطلاب والتي لا علاقة لها بالأهداف التربوية على غرار جداول الامتحانات.
وهنا تعقّب الأستاذة ديانا كوه، مديرة مجلس البحوث الطبية الوطني لمعاينة الصحة والإنماء، التي تابعت حالات الكثير من الأشخاص منذ ولادتهم حتى اليوم بالقول: «إن الأمر ليس بهذا السوء ولا يدعو إلى الاكتئاب». وتضيف: «لا شك بأنّ هذه المجموعات تعاني أكثر من غيرها مشاكل الحياة مقارنة مع جماعات تتمتّع بسلوك حسن، لكن هذا لا يعطي الحق بتعميم ظاهرة فحواها أن كل من عانى سوء سلوك في المدرسة فهو عرضة لمشاكل الحياة في المستقبل. لربما زادت الاحتمالات لكن هذا لا يمثّل شرطاً أساسياً ومحتوماً».
لا شيء من هذه الأسباب يُعدّ عاملاً حتمياً، إذ إن البعض يجعلون من مشاكلهم سلاحاً لمواجهة المستقبل. من هنا تتجلى ضرورة التدخّل المبكر لتصويب الخطأ وإعادة الفرد إلى الطريق الصحيح.