إدانة إسرائيل بجرائم الحرب والإبادة الجماعية تكاد تصبح «حلماً» لضحاياها. فمن حرب إلى حرب، تفلت إسرائيل من العقاب، وتتسلّى برؤية تخبط ضحاياها «الغاضبين» في شباك تعقيدات قانونية وأخلاقية، نسجتها بأناة، عبر «تفخيخ» المنتديات الدولية بأتباعها وأساليب شتى لم نتّبعها للأسف. اليوم، تحرك قانوني عبر نقابة المحامين في لبنان وفلسطين واتحاد المحامين العرب. هنا ضوء على التحرك
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
«إذا استطعنا توثيق جرائم إسرائيل في غزة وملاحقة مرتكبيها، نكون قد حققنا نقلة نوعية؛ لأنه منذ 60 عاماً لم يتحرك أي طرف حكومي أو مدني للادعاء على إسرائيل ومحاسبتها، ولو حدث ذلك خلال الفترة السابقة لكانت فلسطين بألف خير».
بهذه العبارة يعلق نقيب محامي طرابلس والشمال أنطوان عيروت على التحرك الذي تقوم به النقابة بالتعاون مع نقابة بيروت، ونقابة محامي فلسطين واتحاد المحامين العرب، الذي يرمي إلى «رفع دعوى ضد العدو الإسرائيلي أمام محكمة الجنايات الدولية، بالطلب إلى المدعي العام في المحكمة المذكورة إحالة جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحق أهالي غزة، والتعرض للمدنيين، على المحكمة الجنائية».
وأكد عيروت أن العدوان الإسرائيلي «سيتصدّر برنامج عمل الاتحاد في اجتماعه نهاية الشهر الجاري في تونس، وأن اتصالات ستجري مع الأمين العام للاتحاد إبراهيم السملالي لتحضير الدعوة تمهيداً لرفعها»، مشيراً إلى أنه «لكي تكون الخطوات عملية، كلفت لجنة حقوقية وضع دراسة تحدد جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد أهالي غزة، والتأكيد على أن الجريمة واضحة، وهي إبادة شعب عن طريق العدوان عليه براً وجواً وبحراً، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إحالة الجريمة على المحكمة الجنائية الدولية».
ولفت عيروت إلى أن النقابة «ستشارك في المؤتمر الدولي من أجل تحديد الجرائم الإسرائيلية وملاحقة مرتكبيها» مطلع الشهر المقبل في الدوحة بدعوة من «المؤسسة العربية الديموقراطية»، انطلاقاً من قناعتنا وتأكيداً على أن أصحاب الحق يحق لهم الدفاع عن أرضهم بجميع الوسائل المتاحة، لمواجهة الاحتلالالإسرائيلي».
وفي هذا الإطار حث نقيب المحامين السابق فادي غنطوس الدول العربية «غير القادرة على القيام بمبادرة سياسية»، على «دعم وتمويل حملة قضائية ـــ حقوقية لملاحقة قادة إسرائيل بسبب جرائم الحرب التي يرتكبونها في غزة، فالأجواء العامة مهيئة للسير في ملاحقات كهذه»، محدّداً ما يجري في غزة من الناحية القانونية بـ«جريمة حرب وفقاً للتعريف القانوني لمفهوم هذه الجريمة، وسنداً لجميع القوانين والأنظمة الأساسية الدولية، ولمفهوم القانون الإنساني الدولي، والشرائع الدولية للحقوق المدنية المدنية والإنسانية».
وسأل غنطوس: «إذا تنازلت الأمم المتحدة عن الالتزام بشرعة الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين، فأي صدقية ستبقى لها؟ ولماذا لا يطلب الأمين العام إلى مجلس الأمن إحالة إسرائيل على المحكمة الجنائية الدولية؟ مع أن ما اتهم به الرئيس السوداني عمر البشير بخصوص قضية دارفور، لا يقارن بما يرتكبه إيهود أولمرت والإسرائيليون في غزة».
ويؤكد غنطوس أن إسرائيل «ترتكب جريمة حرب ضد الإنسانية، لأنها وخلافاً لاتفاقية جنيف الرابعة، تمنع المدنيين من الهروب إلى أماكن آمنة، وتغلق المعابر وتقصف المدارس والمساجد والبيوت والمستشفات وسيارت الإسعاف»، موضحاً أنه «منذ نشوئها لم ترتكب جرائم حرب بهذا الوضوح، فثلث الضحايا من الأطفال، كما أنها تستخدم ضدهم أسلحة محرمة دولياً»، داحضاً مزاعم إسرائيل بأن ما تقوم به هو للدفاع عن النفس، لأنها «قوة احتلال لأرض ليست لها، وتحاصر غزة منذ أكثر من سنة ونصف سنة، والحصار هو جزء من الحرب وفق القانون الدولي، كما أن رد فعلها العسكريّ لا يتناسب مع الضرر النسبي الذي تلحقه بها صواريخ حماس».
ولم يفت غنطوس التعليق على كلام بان كي مون في 10 الجاري، عندما قال «إننا نواجه ضرورة حتمية للإنهاء الفوري للعنف في غزة وفي جنوب إسرائيل، ذلك أن التصعيد والآلام التي يتعرض لها المدنيون يبعثان على الانزعاج الشديد»، فرأى أن «هذا الكلام يؤكد وجود ذهنية غير منصفة. إذ يصف إفراط إسرائيل في استخدام القوة ضد شعب أعزل بالعنف، من غير الإشارة إلى عدم التوازن بين الطرفين، وخصوصاً لناحية الدمار الهائل والقتلى المدنيين في غزة، مقارنةً بحالة الهلع والأضرار البسيطة التي تحدثها صواريخ حماس البدائية في الجانب الإسرائيلي».
رئيسة قسم حقوق الإنسان في جامعة الجنان د. لينا طبال التي تعمل «مع منظمات دولية لإدانة إسرائيل في محكمة الجزاء الدولية»، ترى أن حصار غزة هو «ممارسة عقوبة جماعية»، مشيرةً إلى تقرير الناطق الرسمي باسم المقرر الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط ماكس ويل غالفريد، الذي لفت فيه إلى أن «المعيشة في غزة أصبحت قضية حياة أو موت بالنسبة إلى الأطفال».
وشددت طبال على أن «ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية (أقر 1998 ودخل حيز التنفيذ عام 2002) يدين إسرائيل في المادة الثامنة منه، لأنها تمارس القتل المتعمد بحق المدنيين، وتحرمهم حقوقهم الطبيعية، وتدمر بيوتهم، وتمارس أسلوب الحبس والحصار غير المشروع بحقهم، وتنتهك القوانين الدولية على نطاق واسع».