راجانا حميّةكلّ شيءٍ بدا عاديّاً وبديهياًً في اعتصام أمس الذي أقامته المنظّمات الطلابية والشبابيّة أمام مقرّ المفوّضية الأوروبيّة في الصيفي. صور لأجسادٍ غزّاوية مدمّاة أدمنّا رؤيتها على الشاشات وفي كلّ مكان، و«ردّيات» حفظناها عن ظهر قلب وكوفيّات وأعلام فلسطينيّة ترتفع عالياً وأخرى إسرائيليّة تحترق. هكذا، لم يكن هناك جديد في الاعتصام الذي حاصره «فهود» قوى الأمن الداخلي عند مدخل الصيفي، أمام «بيت الكتائب»، بعيداً عشرات الأمتار عن مقرّ المفوّضية المقصود. وبسبب هذا البعد، بدا معظم المتظاهرين، وخصوصاً المياومين منهم في الشوارع والاعتصامات المفتوحة، أقلّ حماسة، ما عدا مجموعة فتيات من مدرسة الغبيري الثالثة للبنات اللواتي كنّ يشاركن للمرّة الأولى في الوقفات التضامنيّة من أجل غزّة. كذلك جانيت وجورجيت الصايغ، الغزاويتان اللتان أعادتا بعض النبض إلى المشهد المكرّر. فقد استطاعتا أن تُشغلا كلّ الموجودين هناك، حتّى «فهود» القوى الأمنية، بقصّة كانتا ترويانها عن الحيّ الذي سكنتاه قبل الخروج منه عام 1948 إلى غير رجعة. روت الشقيقتان عن «شجرات الزيتون في حي الرمال اللي عم ينقصف اليوم، وعن الساحة اللي كنّا نلعب فيها واللي اليوم صارت مذبحة للولاد». روت الشقيقتان كلّ شيءٍ عن الحيّ، قبل أن تطلبا من القوى الأمنية السماح لهما بالوصول إلى المفوّضية «لنطلب من الفرنساوية أن يوقفوا المجازر الإسرائيلية بحق الأطفال في غزّة». ولمّا لم تفلحا في إقناع القوى الأمنية بإزاحة الحواجز الحديدية للدخول إلى المفوّضية أو «مبنى الفرنساوية»، كما تسمّيه جانيت، انسحبتا من الاعتصام، من دون الاكتراث لدعوات بعض المتظاهرين بالبقاء قليلاً، ريثما تأتي الباصات لإعادة المعتصمين إلى بيوتهم ومراكز عملهم.
غادرت جانيت وجورجيت، وخفتت الأصوات قليلاً، فظنّ البعض أنّ الاعتصام انتهى، وبدأوا بلملمة أغراضهم من أعلام وكوفيات استعداداً للعودة، ولكن مسؤول الشباب في التعبئة التربوية لحزب الله أعلن أن الاعتصام لم ينته بعد، و«الدعم واصل على الطريق». كان يقصد طلاب الجامعة اللبنانية، الذين بدوا جميعاً أنّهم من مناصري حزب الله. بعد دقائق من الإعلان، وصل الدعم. عشرات الشباب والشابات نزلوا من الباصات، فأعادوا الاعتصام إلى برنامجه. ولدى وصولهم، ارتفعت «الردّيات» مجدّداً بصوتٍ موحّد «على باب المخيم قتلوا أخوي، والله لآخد بتارو أنا وأمي وأبوي». وقبل انتهاء الاعتصام بقليل، تلت طالبة في كلية الإعلام والتوثيق نصّ المذكّرة التي قدّمتها المنظّمات إلى المفوّضية. ودعت «الدول الأوروبية إلى اتخاذ موقفٍ مسؤول يكون على قدر تطلعات شعوبكم وقيمها التي ناضلت ودافعت من أجلها حتى باتت محلّ احترام لكل مقاوم في العالم».