إيلي شلهوبكل شيء في غزة وحولها يراوح مكانه. القصف مستمر، بل يزداد عنفاً، ومعه التوغلات وسيل الدماء. الصواريخ لا تزال تتساقط، وإن تقلص عددها، ومعها تشبث المقاومة بالدفاع عن أرضها وقضيتها. وبين هذا وذاك، جهود دبلوماسية تُبذل في أكثر من اتجاه، في محاولة لحلحلة العقد.
الدروب كلها تقود إلى «قاهرة مبارك»، التي نصّبتها إدارة بوش قابلة قانونية للحل، و«فوضت إليها» إدارة أولمرت التفاوض نيابة عنها، ولا تزال «حماس» تحاورها علّها تصل إلى اتفاق وقف نار يضع حداً للعدوان ولا يحاصر المقاومة.
بات لحرب غزة عنوان واحد، كما كان للحصار عنوان واحد. اختصرت المعركة بـ«المبادرة المصرية»، التي رُبطت نهاية جحيم غزة بها، وتزايدت الحشود الإسرائيلية في القطاع ومحيطه دعماً لها، بانتظار ما ستسفر عنه. أصبح واضحاً أن المطلوب القضاء على «حماس» ـــ المقاومة: وقف تعاظم قوتها، عبر وقف التهريب، بعدما أُضعفت بنيتها العسكرية، كما يعتقد الإسرائيليون.
يبدو النظام المصري سعيداً بما آلت إليه الأمور، بعدما استعاد احتكاره للحل والعقد في الملف الفلسطيني. بات يمهل ولا يهمل. يحدد مسؤوليات ويجترح المخارج. يهدد ويتوعد. وكأنها نزعة الانتقام التي تستشري في صفوف أربابه، من محاولات «حماس» التمرد عليه، وتقاسم أطراف إقليمية الساحة الفلسطينية معه. بل من الهزائم المتتالية التي مني بها منذ تموز عام 2006.
النزعة نفسها تبدو سبب رفض مبارك عقد القمة العربية الطارئة المقررة بعد غد الجمعة في الدوحة، يدعمه في ذلك أباطرة النفط في السعودية. عقول مريضة تحاول استعادة أدوار افتقدتها بأي ثمن، حتى ولو كانَ القضية وأهلها. سبق أن غطت العدوان الإسرائيلي على لبنان، وكادت أن تُدخله في أتون حرب أهلية جديدة. وها هي اليوم تشفي غيّها على حساب أطفال غزة، الذين يدفعون على ما يبدو ثمن الخطايا التي ارتكبتها واشنطن بحق «معتدليها».
جنرالات إسرائيل وساستها يخوضون حرباً في ما بينهم حول ضرورة توسيع العدوان من عدمه، فيما الزعماء العرب لا يزالون مختلفين على جدوى القمة. خلاف يبدو مبرراً؛ ألم يقل سعود الفيصل أخيراً إن «المبادرة العربية» أهم سلاح يمتلكه العرب؟