ربما لو سأل أهل غزة عن حجم التعويض الذي سيطلبونه جراء العدوان عليهم لأجابوا بأن ما خسروه لا يقدّر بثمن. لكن دخان المعارك سينقشع ولو بعد حين. عندها ستكثر التقارير التي تحصي الخسائر وتقدّر حجم التعويضات، وستطلب الأمم المتحدة من إسرائيل تقديم «تعويض فوري وملائم». هل سترغم إسرائيل على الدفع؟ تجربة عدوان تموز 2006 على لبنان تقول عكس ذلك
بسام القنطار
قرارات عديدة صدرت وستصدر عن هيئات الأمم المتحدة، وتحديداً مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، تتعلق بالعدوان على غزة. السيناريوهات المتوقعة لهذه القرارات معروفة سلفاً. ستعرب الأمم المتحدة عن بالغ قلقها إزاء الآثار الضارة الناتجة من العملية العسكرية الإسرائيليّة، وسوف تطلب من حكومة إسرائيل أن تتحمل المسؤولية وأن تعوّض فوراً السلطة الفلسطينية عن الأضرار الناجمة عن التدمير وفي مختلف القطاعات.
لكن تجربة لبنان في عدوان تموز 2006 لا توحي أن هذه القرارات ستسلك مسارها إلى التطبيق. ومن الأمثلة الصارخة على هذا الأمر القرار الشهير للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/194 والصادر بتاريخ 20/12/2006 أثناء انعقاد الدورة الـ61 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
يتعلق هذا القرار بالبقعة النفطية التي تسبّبت بها إسرائيل عبر قصفها المتعمد لمعمل الجيّة الحراري على الشواطئ اللبنانية، وتسرب 15 ألف طن من المواد النفطية. ولقد استُتبع هذا القرار في 2007 ـ 2008 بقرارين مماثلين في الدورتين الـ62 والـ63 للجمعية العامة (القرار رقم 188/62 والقرار رقم 63/211). اللافت أن هذه القرارات قد حازت نسبة تصويت عالية جداً، حيث بلغ عدد الموافقين 170 دولة، واعترضت عليها 7 دول هي أوستراليا، كندا، إسرائيل، جزر المارشال، نارو، بالاو، إضافةً إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ويستدل من التقرير الذي قدمّه بان كي مون إلى الدورة الـ63 للجمعية العامة للأمم المتحدة، عن التقدم المحرز في تنفيذ هذا القرار، أن إسرائيل رفضت الاستجابة لثلاثة طلبات متكرره تقدمت بها الأمم المتحدة لتأمين تعويض ملائم من حكومة إسرائيل إلى لبنان، وهو تعويض تقدره بحوالى 931 مليون دولار كحد أقصى و526 مليون دولار كحد أدنى وذلك وفق تقديرات البنك الدولي.
وفي رسالة مؤرخة بتاريخ 16 آب 2007 وجّهها فرع «إدارة قضايا ما بعد انتهاء النزاعات والكوارث» التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى البعثة الدائمة لإسرائيل لدى الأمم المتحدة طالبها فيها بإيضاح آلية دفع التعويض. لكن الأخيرة تجاهلت تقديم الرد. ولقد أُلحقت هذه الرسالة بأخرى وقّعها المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤرّخة 5 حزيران/2008 إلى الممثل الدائم لإسرائيل لدى «البرنامج»، ولقد أبرز في هذه الرسائل الطلب المتجدد لاتخاذ إجراءات من جانب إسرائيل لما تضمّنه القرار 62/188، ولم يصل حتى اللحظة أي رد على الرسالتين. وبحسب تقرير بان كي مون فإنه «يتعذّر الإبلاغ عن تحقيق تقديم من دون رد رسمي من إسرائيل».
إذاً، الحكومة الإسرائيلية لم تكلّف نفسها عناء الإجابة عن هذه الرسالة، وبالتالي ترفض الامتثال لقرارات الجمعية العامة. السؤال المطروح هل هناك آلية قانونية تلزم إسرائيل دفع هذه التعويضات؟ أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية، الدكتور حسن جوني، أكد لـ«الأخبار» صعوبة العمل من أجل إلزام إسرائيل التعويض عن حروبها، وخصوصاً أن محكمة العدل الدولية لا تعترف بالسلطة الفلسطينية كدولة مستقلة. وأضاف جوني: «في حالة لبنان فإن الضرر البيئي المتمثل ببقعة النفط يرتبط بالكثير من الاتفاقيات، لكنها لا تسري إلا على الانسكابات النفطية من الناقلات في البحر، لا على الحوادث التي تقع في البر».
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2007 أجرى برنامج الأمم المتحدة للبيئة دراسة مفصلة عن «لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة» باعتبارها السابقة الوحيدة لنظام التعويض عن الانسكابات النفطية التي تقع نتيجة للأعمال القتالية المسلحة.
ومن المعلوم أن اللجنة المذكورة أنشئت بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 687 (1991) وذلك بعد غزو الكويت من جانب نظام صدام حسين في العراق. ونتيجةً لذلك دفعت ملايين الدولارات تعويضاً من الإيرادات التي خسرتها الكويت خلال فترة الانتكاس. وللمرة الأولى سمح صراحة بدفع تعويضات عن الضرر اللاحق بالبيئة وتدمير موارد الطبيعة.
ولقد علمت «الأخبار» عن مصادر متابعة في وزارة البيئة أن القرار الأخير للجمعية العامة، الذي صدر في 19 الشهر الماضي، وحمل الرقم 63 /211، يعزز من فرص تقديم شكوى إلى مجلس الأمن، وعلى عكس سابقاته طالب هذا القرار بأن يشمل التعويض أيضاً حكومة الجمهورية العربية السورية التي تلوّثت شواطئها تلوّثاً جزئياً من البقعة النفطية.
ويستعبد هذا المصدر أن يجري تقديم شكوى إلى مجلس الأمن في ظل هذه الظروف. لكنه يؤكد أن أحداث غزة يجب أن تمثّل حافزاً لتقديم شكوى عربية مشتركة إلى مجلس الأمن تطالب بالتعويض عن عدوان تموز 2006 وعن العدوان الأخير على غزة، وخصوصاً أن التلوّث الذي يحدثه الفوسفور الأبيض الذي تستخدمه إسرائيل بكثافة في قطاع غزة، ستنتج منه كارثة بيئية غير مسبوقة تهدّد القطاع لسنوات طويلة، وأضرار مباشرة وغير مباشرة تقدّر بمليارات الدولارات.