اجتمع مئات المحامين أمس في بيت المحامي، للاستماع إلى محاضرة رئيس محكمة جنح الأحداث في بيروت، القاضي فوزي خميس. شرح خلالها الرئيس بالتفصيل، اجتهاد القضاء اللبناني بشأن قانون حماية الأحداث المعرّضين للخطر
أحمد محسن
افتتح النشيد الوطني اللبناني المحاضرة. وقف الجميع احتراماً في البداية، ثم ساد الصمت دقيقة؛ حداداً على شهداء غزة. عرّف المحامي ناضر كسبار نقابة المحامين بيروت بأنها «أم الشرائع»، ثم أعطى لمحة موجزة عن المحاضرة، وأشار إلى استحداث مركز وطني لرصد الانتهاكات التي يتعرض لها الحدث.
وبعدها، انطلق القاضي خميس في محاضرته من صلب الموضوع: «مصلحة الحدث هي الفضلى». استند القاضي في ذلك إلى اتفاقية حقوق الطفل، الصادرة عن جمعية الأمم المتحدة، وتالياً، الى قانون حماية الحدث في لبنان، الذي يمثّل موضوع المحاضرة.
وكي يسلط الضوء على الفكرة الأساسية، أعلن خميس أن صلاحية قاضي محكمة الأحداث تتيح له قانوناً، التدخل لحماية الحدث في حال تعرّض الأخير لخطر ما. لم يفته أن يذكّر بالخلافات السابقة التي نشبت بين المحاكم الشرعية والقضاء العدلي، في مسائل الأحداث، «إلا أن أعلى سلطة قضائية في لبنان حسمت الأمر لمصلحة قاضي الأحداث في حال ثبوت الخطر»، وثبت خميس تأكيده هذا، بتلاوته قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز، المختص في هذا الإطار، الذي يشير بوضوح إلى «تسليم القاصر إلى محكمة الأحداث من دون أن يدخل في صلاحيات الحضانة أو الولاية»، ويهدف ذلك (وفقاً لقرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز) إلى إيلاء صلاحية حماية الأحداث إلى قاض عدلي متخصص، بمساعدة اختصاصيين نفسيين، وذلك لتحقيق الغاية المنشودة من القانون. كما تجدر الإشارة إلى أن صلاحيات المحكمة الشرعية «تنضوي في سياق حضانة القاصرين، أو الولاية عليهم» كما لفت خميس، مؤكداً أن لقاضي الأحداث صلاحيات واسعة، ومن واجبه القانوني استغلالها لحماية الأطفال.
وفي تعريفه لحالات الخطر، ذكر خميس بالمادة 19 من البند الأول في اتفاقية حقوق الطفل، التي توجب على الدول الموقعة اتخاذ التدابير الملائمة لحماية الطفل من كل أشكال العنف. من هنا، وإضافة إلى المادتين 26 و27 من القانون 422 في قوانين العقوبات، خلص إلى شرح حالات الخطر للمستمعين.
وخلال استعراضه بعض الحالات التي تدخّل فيها قاضي الأحداث لحماية القاصرين من الخطر، أشار خميس إلى أن المحكمة اضطرت في إحدى المرات لإجبار إحدى العائلات على نقل الأطفال إلى مدرسة قريبة، عوضاً عن أخرى بعيدة كانوا مسجلين فيها، حفاظاً على أمنهم. وفي حادثة أخرى، توضح مدى أهمية الاجتهاد، أشار إلى أن لمحكمة الأحداث الحق في التدخل فور ورود هواجس إليها بتعرض أطفال للخطر. ذات مرة، تلقت الأجهزة الأمنية اتصالاً هاتفياً، يشير إلى تعرّض أحد الأطفال للضرب على شرفة منزل، فتدخل قاضي الأحداث فوراً، و«حكم بإرسال الأطفال إلى مؤسسات اجتماعية تضمن سلامتهم». استفاض خميس في شرحه الاجتهاد، وأطلع المستمعين، على أنه شخصياً، شاهد خبراً على التلفاز في إحدى الحالات، دفعه إلى التحرّك ومتابعة الأمر، منطلقاً من الثوابت القانونية. وفي هذا السياق، شكر خميس «اتحاد حماية الأحداث» على ما تقوم به من تعاون.
ومن ناحية أخرى، أعلن خميس عدم جواز «العودة عن بلاغ يدل على تعرض قاصرين للخطر، وتشبه الحالة هنا حالة الحق العام». من واجبات المحكمة التحقيق في الأمر، حتى ولو كان العنف المقصود نفسياً لا جسدياً. بيد أن القاضي لم ينف حق الدفاع أمام محكمة الأحداث، واصفاً حق الدفاع بالـ«المقدّس». علاوة على ذلك، لا تدرج هذه التدابير الوقائية في سجل الحدث العدلي، كما يحق تمديدها حتى سن الـ21 إن لزم ذلك.


وأطفال غزّة؟

سمح القاضي خميس للمحامين الحاضرين بتوجيه بعض الأسئلة إليه عن قانون حماية الأحداث من الخطر، إسهاماً منه في تقديم أوسع شرح ممكن. وبعد جولة من الأسئلة، فاجأه أحد الحاضرين بإلقائه خطاباً عن العدوان الإسرائيلي على غزة. سأل الحاضرين فيه بصوت منفعل: «من يحمي أطفال غزة؟». ساد تصفيق داخل القاعة المكتظة، ما لبث القاضي أن حسمه بالقول: «أنا مثلكم جميعاً متعاطف مع غزة أيضاً، لكن صلاحيتي تشمل بيروت فقط»