منى عباس فضل *عُقدت قمة «مسقط» الـ 29 لدول مجلس التعاون الخليجي على وقع «مذبحة غزة» وحمم نيران الطيران الصهيوني وقنابل آلته العسكرية الفتاكة التي خلّفت بحراً من الدماء وحصدت ما حصدت من شهداء أطفال فلسطين وكبارهم. كل ذلك وسط صمت غيّب الضمائر، خرقته تصريحات متناثرة وفاقدة لهويتها العربية، وبضع شاحنات محمّلة بأغذية وأدوية، مصحوبة بجعجعة إعلامية أريد منها زوال العتب ليس إلا.
«قمة مسقط» عُقدت بعد سريان مفاعيل الأزمة المالية العالمية في مفاصل اقتصادات المنطقة المصابة أصلاً بهشاشة عظام. فبدأ النهش في المدّخرات وفوائض الميزانيات، ما جعل التحديات التي يواجهها «المجلس» فاقعة في مظاهرها. وثمة ما غاب عن القمة التي ازدانت فيها شوارع العاصمة «مسقط» بأعلام الدول الست، وبالورد وصور قادتها وما صاحبها من عبارات استقبال لهم وللوفود المشاركة، وطنطنة إعلامية موجهة ومدروسة بعناية فائقة خلال فترة انعقادها لمدة يومين (30-31 كانون الأول / ديسمبر 2008)، رغم ازدحام جدول أعمالها الذي أعده مسبقاً كالعادة وزراء الخارجية.
غصّت الأجندة بتفاصيل تناولتها وسائل الإعلام بصورة احتفالية. قيل إن على قمتها قضايا دسمة وساخنة تتضمن عدداً من الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية، منها الخطر الإيراني والقضية الهندية ــ الباكستانية وتداعياتها، ومشروع الاتحاد النقدي، وإنشاء مجلسه كمرحلة انتقالية لتأسيس البنك المركزي المعني بتحديد برنامج زمني لإصدار العملة الموحدة وطرحها للتداول، فضلاً عن تجاوز الأزمة المالية بأقل الخسائر وتحسين الاقتصادات وأسعار النفط والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة ومشاريع التكامل من ربط كهربائي ومائي وسكك حديدية... وظاهرة القرصنة وقوة درع الجزيرة والمشروع النووي، فضلاً عن مراجعة لاتفاقيات التجارة الحرة التي وقّعتها كل دولة على حدة.
كذلك حضر ملف العمالة الوافدة المقدّر عددها بنحو 17 مليوناً أغلبها من الآسيويين، وإنشاء برلمان خليجي... وبالطبع، كما صرح به، «تداعيات العدوان الإسرائيلي» على قطاع غزة.
عقدت القمة لمناقشة كل الملفات أعلاه! المناقشات جرى بعضها في جلسات مغلقة بعد جلسة الافتتاح التي لم تشر كلمتها من الدولة المضيفة لا من بعيد أو قريب إلى الحرب الصهيونية على غزة أصلاً، برغم ما سبق القمة من تصريحات بأن مذبحة غزة ستكون بنداً على الأجندة. وتزامن ذلك مع تصريحات استباقيه لوزير الخارجية العماني من أن بلاده لن تنضم للعملة الموحّدة لا في 2010 ولا في 2100، باعتبار أنّ اقتصادات المنطقة بسيطة وقد تختفي الميزات التي تتمتع بها العملات الحالية في حال اعتماد عملة موحدة.
هذا إلى جانب إقدام الكويت على فك ارتباط دينارها بالدولار وربطه بسلة عملات خلافاً للدول الأعضاء. وفي السياق، أعربت أربع دول عن رغبتها ومزاحمتها بعضها لبعض في استضافة مقر «المصرف المركزي» وهي البحرين، الإمارات، قطر، والسعودية.
في حقيقة الأمر، أن ما غاب عن فعاليات «قمة مسقط»، ليس بعض بنود أجندتها فحسب، ليس القضية الفلسطينية وتداعيات مذبحة غزة، بقدر ما غابت أغلبية شعوب الخليج ومنظماتها الأهلية، تماماً كما أفصح عنه بيان المؤتمر الموازي للقمة الذي صدر في المنامة وحمل تواقيع 16 ناشطاً. ولا سيما أنّ البيان أكد ضرورة مشاركة الشعوب في وضع السياسات والقرارات من خلال المجالس النيابية المنتخبة ومؤسسات المجتمع المدني الحرة، باعتبار أنها تعيش حالة تهميش، وطالب ببناء دولة المؤسسات وسيادة القانون على الجميع كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وضمان الحريات الفردية والجماعية وتجريم المساس بها من أية جهة ولأي مبرر، والسماح لانعقاد مؤتمر أهلي مواز.
وتطرق إلى تنفيذ التكامل الاقتصادي، وشدد على عدم قبول مواطني الخليج بتبديد فوائض النفط عبر الإنفاق على التسلح والمشاريع التي لا تخدم المواطنين ولا تسهم في التنمية، باعتبار أن الانعكاسات الخطيرة للأزمة المالية العالمية قد بدأت، ومن المتوقع زيادة البطالة بين المواطنين والمقيمين وفقدانهم مدخراتهم، بسبب السقوط المدوي لأسهم البورصات الخليجية وإفلاس بعض البنوك والشركات وانخفاض المداخيل، مما يهدد بتدهور مستوى المعيشة لغالبية المواطنين. كما طالبوا بتطبيق الشفافية والنزاهة، ومحاربة الفساد.
من جهة متصلة، تمثل غياب «المواطن» في عدم الأخذ برأي القطاع الاقتصادي، إذ كان متذمراً من بطء تطبيق الاتفاقيات وعدم الإفصاح عن المعلومات. وتساءل المتسائلون منهم عما إذا كان هناك أمل في السوق المشتركة بعد ما يقارب 25 سنة، في إشارة إلى عدم التزام بعض الدول أصلاً بتطبيق مبادئها ولا بنود الاتفاقات المبرمة، الأمر الذي يمثّل عائقاً في انسياب التجارة وتعطّل التبادل السلعي البيني.
لقد تبين سعي كل دولة إلى إيجاد حلول خاصّة بها لتجاوز الأزمة المالية، كما علت أصوات منهم تطالب بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة، وانتقد آخرون اهتمام الحكومات بالجانب الأمني والعسكري على حساب الجوانب الاقتصادية والتنموية وانعدام التكامل الاقتصادي.
مقابل ذلك، هناك مَن رد على طروحات الفشل أو العجز الذي يعيشه «المجلس»، ودافع عن إنجازاته التي تمت منذ نشأته في 1981، بالقول إنه يُعد من أهم المنظمات الإقليمية العربية التي استطاعت برغم الظروف والمعوقات الصمود والاستمرار، حتى وإن كان هناك نواقص سياسية ومآخذ في الجانب الأمني، وبطء في تنفيذ بنود الاتفاقيات. فهم يرون أن له دوراً فعالاً وبارزاً في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، ويمكن الوقوف على إنجازاته من خلال النظر إلى التنسيق والتعاون الأمني بين دوله وعبر تأليف اللجان الأمنية المتخصصة.
وما توقيع الاتفاقية الأمنية، إلا تحقيق لأهم هدف من أهداف تأسيسه القائم على تحقيق الأمن الجماعي لدوله، إلى جانب ما تحقق في مجال التعرفة الجمركية والربط الكهربائي المشترك وسهولة تنقل مواطني المجلس في دوله بالبطاقة الشخصية، والربط بين وزاراته وهيئاته وغرفه التجارية، حتى إن وحدة مشتريات الكتب المدرسية باتت مشتركة. وهناك سعى لتعميمها على شراء الأدوية والطائرات والمشتريات الاستراتيجية. إذن، الإنجازات تتحقّق وفق برنامج عمل متدرّج وآلية مستقبلية واضحة المعالم.
إلى هنا، تبقى التحديات التي تواجه «مجلس التعاون»، على الرغم من النظرة الإيجابية والمتفائلة لأدائه التي عبّر عنها البيان الختامي، تمثّل هاجساً حرجاً للغاية، يطرح العديد من الأسئلة عن مدى قدرته على تحقيق وحدة فعلية، ترتقي بالواقع المحلي من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتنموية، تضاف إليها قدرته على تأدية دور نوعي في ساحة الصراع العربي ــ الإسرائيلي وعدم التذبذب في عقد اتفاقات منفردة مع الكيان الصهيوني وتجاوز إرادة شعوب الخليج الذين يقفون مع الحق الفلسطيني.
من التحديات أيضاً، مدى قدرة مجلس التعاون على إدراك طبيعة المخاطر الأمنية والسياسية المتوقعة من الدور الإيراني المرتقب، وتحديد الرؤية الواضحة فيما إذا كانت إيران شراً مطلقاً مستطيراً، أم جارة لدول المجلس لهم معها مصالح مشتركة. فضلاً عن تحديات الأزمة المالية المتعلقة بتراجع سعر النفط الذي تمتلك دول المجلس 45% من احتياطاته العالمية، في ظل توقعات بأن يراوح سعره بين 40 و70 دولاراً للبرميل لفترة 2009 ــ 2010. وهذا سقف قد لا تستطيع من خلاله بعض دول المجلس تجاوز مرحلة المخاطر المحتملة، وخصوصاً بعد ما جاء به تقرير «معهد التمويل الدولي» في كانون الأول / ديسمبر 2008، الذي أشار إلى انخفاض معدل النمو الخليجي من (5.7% الى 4.2 %) من 2008 ــ 2009، وانخفاض أصول الصناديق السيادية من (1500 إلى 450 مليار دولار) أي بمعدل 30% من قيمتها حتى منتصف أيار/ مايو 2008.
كل ذلك في كفة، وتحديات غياب المواطن الخليجي عن فعل المشاركة السياسية الحقيقيّة وتهميشه في كفة أخرى!

* باحثة بحرينية