محمد محسنلم تتوصل سنوات الهجرة الطويلة التي عاشها الفلسطينيون في منافيهم القسرية إلى تفتيت هويتهم الحضارية وطمس تقاليدهم الغذائية والتراثية. فالأطباق الفلسطينية لا تزال حاضرةً على موائدهم في مخيمات الشتات، وروائح الطبخ التي تتسرّب من المطابخ إلى زواريب المخيمات الفلسطينية في لبنان، تحمل بعضاً من رحيق فلسطين العصيّة على النسيان. ورغم التباس هوية أطباق التراث الغذائي المشرقي، وتشابه المطابخ اللبنانية والفلسطينية والسورية إلى حد بعيد، إلا أن كلاً من هذه المطابخ يتمتع بخصوصية تميّزه عن الآخر، في طريقة تحضير الطبق ذاته، أو في احتوائه على أطباق إضافية خاصة.
ورث الفلسطينيون عن آبائهم هاجس الحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية، ولا سيما ما يتعلق منها بالتراث الغذائي الفلسطيني، فهو لا يقل أهمية عن غيره في مواجهة خطر الذوبان الثقافي والحضاري. في لبنان، دفع هذا الهاجس بالكثير من شباب المخيمات الفلسطينية وأقرانهم من اللبنانيين إلى تنظيم مخيماتٍ كشفية، تقع المواظبة على إحياء التراث الغذائي، والحفاظ على معالم الزي الفلسطيني التقليدي في صميمها.
فإلى جانب ارتداء العباءة المطرّزة بألوان الأحمر والأخضر، في مقابل الالتزام بالكوفية الأصلية غير الملونة، يصر الشباب خلال مخيماتهم على أن تكون وجباتهم الغذائية فلسطينية الأصل، يساعدهم على إعدادها من يتقن تحضيرها. عادل إسماعيل إبراهيم (42 عاماً)، ابن منطقة غور أبو شوشة في طبريا، الذي يقطن مخيم عين الحلوة في صيدا، هو أحد هؤلاء. يجول على المخيمات الشبابية ويعدّ للمشاركين فيها طبخاتٍ فلسطينية. يبدأ عادل حديثه عن السّفرة الفلسطينية بمقولةٍ يرددها كثيراً أبناء المخيمات هذه الأيام «ما حداش إلو نفس يوكل هالأيام»، لينطلق بعدها في وصف أطباق يشير إلى احتوائها على البهارات والحر أساساً.
«المسخّن» هي أهمها بحسب إبراهيم. وهي طبق يعتمد أساساً على الخبز المرقوق والدجاج والبصل والسمّاق، ويتميز بسهولة تحضيره، إذ يكفي تحمير الرغيف بعد حشوه بالدجاج المسلوق المخلوط بالبصل المقلي. وبينما تختلف المقلوبة الفلسطينية عن تلك اللبنانية، لأنه «في فلسطين، يضاف إليها الباذنجان، والقنّبيط والبطاطا والأرزّ، وتغطّس هذه الطبخة في مرقة الدجاج وتزيّن بالمكسرات»،
يشير ابراهيم إلى أنّ أطباقاً كثيرة تظل متشابهة في المطبخين، كالملوخية والكبسة مثلاً. يأسف الطباخ المتخرّج من جامعات روسيا لواقع أن السّفرة الفلسطينية أصبحت أفقر حالياً نتيجة الأوضاع الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني من اعتداءٍ وحصار وفقر، إلا أنها «لا تزال صامدة»، تماماً كالشعب الفلسطيني.