المتن ـ رندلى جبورالشوارع المتنية في الظاهر بعيدة كل البعد عن الحرب الفظيعة الدائرة في شوارع غزة، في بثّ مباشر تحاول إسرائيل أن ترهبه بقصفها أمس المبنى الذي فيه غالبية وسائل الإعلام التي تغطي هول ما يحصل هناك. إذاً، هنا، في المتن، لا تظاهرات ولا تحركات ولا لافتات معلقة ولا شعارات مرفوعة. أما داخل المحالّ والمنازل، فالشاشات جميعها تقريباً «مباشرة من غزة». الكل يتابع، لكن قراءة هذه الشاشات تختلف وفق تنوع النسيج المتني. البعض يرفع راية «انزاحت عن ظهري». وبعض آخر لا يزال يحتفظ بحقد قديم تجاه الفلسطينيين في المنطقة التي شهدت نزاعات مسلحة بين الطرفين. أما الأكثرية المتنية الساحقة فتبدي تعاطفاً واضحاً مع هذا الشعب المتروك لقتل مباشر على الشاشات. والفارق جليّ هذه المرة في المواقف التي كسرت ذاك «الخصام التاريخي بين فلسطين والمتن»، وتنتقد «الحرب الإجرامية وغير الإنسانية» التي تشنها إسرائيل، مبدية عطفاً خاصاً على الأطفال، وخصوصاً أن فلسطين تقاوم على أرضها. يرى النائب المتني في تكتل التغيير والإصلاح، غسان مخيبر، أن «مجرد التعاطف مع غزة هو نقلة نوعية تجعل من تجاوز المرحلة السابقة التي وشمت العلاقة بين المتنيين والفلسطينيين بالسلبية ممكناً».
شعبياً، التعاطف موجود ومتقدم. ورسمياً، فإن نواب المتن في تكتل التغيير والإصلاح أصدروا بياناً يشجب ويستنكر، ورئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية غسان مخيبر دعا إلى جلسة للجنته في البرلمان للتضامن مع غزة.
أما بالنسبة إلى التعبير عن التعاطف بتظاهرة فلم يتجسّد واقعاً. «فالتحرك المجدي يكون للدولة» وفق مخيبر الذي أيّد في الوقت نفسه التحركات الشعبية إن حصلت. و«لو دعت الأحزاب إلى تظاهرة متنية تضامناً مع غزة تكون المشاركة كبيرة، ولكن بحساسية بسبب العلاقة المأزومة أصلاً بين المسيحيين خصوصاً والفلسطينيين».
ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور سمير خوري أن عملية التظاهر في المتن لن تكون عفوية، والمتنيون يحتاجون إلى إطار ودعوة حزبية. وجزم أن المتنيين سيلبّون الدعوة إذا ما تمّت بنسبة عالية، على أن يتأكدوا من الشعارات المرفوعة في التظاهرة المفترضة، كالحق في الوجود الوطني مثلاً وكرامة الإنسان وحقوقه.
والموقف الإيديولوجي المتمثل بخطابَي رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية لا يحتاج في رأي علم الاجتماع السياسي إلى تدعيم على الأرض. ويمكن ملاحظة مشاركة ممثلين عن مجموعات متنية في تظاهرات خارج القضاء. إذاً، المتن انتقل في مرحلة أولى من الكراهية إلى التعاطف، وفي مرحلة ثانية من التعاطف إلى الحماسة، وتشديد من مراقبين على ضرورة تسجيل التحول الكبير في الذهنيات المتنية والمواقف التي تتخذها قيادات متنية والتي تتجاوز الترسبات السلبية للماضي بالإضافة إلى تغيير نظرة التعاطي مع القضايا العربية وفي مقدمها القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ولكن حتى الآن «بتحفظ».


عون سبق في التضامن

وفي تفصيل النسيج السياسي المتني، فإن التيار الوطني الحر على لسان رئيسه العماد ميشال عون هو أول من اتخذ موقفاً واضحاً تجاه الحرب على غزة «سابقاً بذلك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله» حسب ما اعتبر في حديث لـ«الأخبار» الباحث السياسي الدكتور سمير خوري .«هذا الموقف السياسي الواضح يكفي، ولا حاجة لتحريك القاعدة الشعبية لأن المسألة ليست داخلية، والتيار الوطني لا يريد اغتنام الفرصة لحشد انتخابي». أما بالنسبة إلى الكتائب والقوات اللبنانية والوطنيين الأحرار فلا يحركون القاعدة تجاه هذا الأمر «إما لحقد تاريخي مزمن، وإما لأن جمهورهم لم يعد يمثّل عدداً، وإما للوازم معينة»، حسب ما قال خوري.