بيار أبي صعبنفتقدهم في قلب المجزرة، ونسأل أين هم؟ إنّها المرّة الأولى التي يصمت فيها بعض الفنانين الكبار ونجوم الثقافة والإعلام في مصر، على امتداد تاريخ الطغيان الإسرائيلي والاستبداد الدموي الذي ترزح تحته الشعوب العربيّة منذ النكبة. فما الذي تغيّر؟ وكيف تمّ تحييدهم؟
كنا نستجير بهم، ونستمد منهم أملاً وقوة. فإذا ارتفع صوت في القاهرة استفاق ضمير الأمّة، وسكت الجميع لسماعه... أين هم اليوم هؤلاء الذين دفعوا غالياً ثمن معارضة «كامب دايفيد»، وواجهوا القمع والسجون والمنافي دفاعاً عن المشروع القومي في وجه الكيان الغاصب؟ أين الذين دخلوا إلى بيروت رغم الحصار الإسرائيلي في ١٩٨٢؟ والذين جاؤوا (ولو في طائرة جمال مبارك) إلى لبنان الصامد تحت أطنان الحقد الحضاري، بمباركة العالم أجمع، صيف ٢٠٠٦؟
نفتقدهم كما يفتقد بوصلته ذلك التائه في الصحراء، ولو أن هذا الكلام لا يمكن تعميمه، لحسن الحظ، على كل مثقفي مصر ومبدعيها. ليتهم يتكلّمون، ولو مثل عادل إمام الذي طلب من الناس أن يعودوا إلى بيوتهم، ويكفّوا عن التظاهرات. إذ ما نفع تلك «الأعمال الغوغائيّة، والضوضاء التي لا خير منها» بتعبير مفتي السعوديّة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ... أو التي تفتح «باب الفساد في الأرض» حسب الشيخ اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة؟ فليعبّروا عن مواقفهم مهما كانت، ولو عكس تيّار الشارع المصري والعربي. من حقّ كل فنّان أن يجاهر برأيه، ومن حقّنا أن نعرف: لماذا لم يعتصموا بالمئات على معبر رفح، منذ اليوم الأوّل لانطلاق حملة الإبادة على غزّة؟
ربّما كان بينهم من يرى مثل أندريه غلوكسمان وبرنار ــــ هنري ليفي وبعض «الحرقوصيين» في بيروت، أنّ «حماس» هي المشكلة! وأن «حفنة من الإرهابيين والمتطرّفين الذين تحرّكهم إيران» قادوا شعبهم إلى الكارثة... وورّطوا دولة «حضاريّة ومسالمة» هي إسرائيل في ما لم تكن تريده أو تتمناه! أو لعلّه الارتهان للنظام القائم ورموزه، يكبّل بعض هؤلاء النجوم، ويشل لسانه ويهدّ عزيمته! منذ متى يُعَدّ انتقاد نهج زعيم سياسي مهما بلغت عظمته، اعتداءً على كرامة شعبه؟ في هذه الأيّام العصيبة نتذكّر يوسف شاهين، ونلمس الفراغ الذي تركه... تُرى هل يربح أنور السادات رهانه أخيراً؟