محمد محسنتكثر اللافتات الممهورة بتوقيع «منسقية بيروت في تيار المستقبل» عند مداخل منطقة الطريق الجديدة. تحثّ الشعارات المكتوبة باللون الأزرق على أقمشة بيضاء على الجهاد وكسر «أسطورة» الجيش الإسرائيلي، أما أهالي غزة فحصّتهم مديح ودعوة إلى الصبر وانتظار الفرج. العروبة بدورها حضرت بقوةٍ أيضاً على هذه اللافتات «أيها الجرح في غزة الطاهرة... تحيّة عربية طاهرة».
أمس، تحوّل مضمون هذه اللافتات إلى هتافات أطلقها متظاهرون خرجوا من جامع الإمام علي بن أبي طالب نصرة لغزة، جابوا شوارع الطريق الجديدة، وصولاً إلى مقبرة الشهداء في شاتيلا. المفارقة كانت أنّ المتظاهرين لم يكونوا أنفسهم موقّعي اللافتات أو حتى أنصارهم. هم من لبّى دعوة «اتحاد اللجان والروابط الشعبية في بيروت» إلى التظاهر. وقد شاركهم في المسيرة عناصر من «حركة فتح» و«الجبهة الديموقراطية».
التظاهرة التي كان مقرراً أن تنطلق عند الساعة الواحدة، بدأت مباشرةً بعد الصلاة. سار المتظاهرون في الطريق الجديدة، من دون أن يغيّروا شيئاً من إيقاع الحياة فيها: لا المحال أقفلت ولا السير توقف. تقدم المتظاهرين صبية وفتيات من «جمعية الكشاف والمرشدات الفلسطينية»، تجاوز عددهم عدد المتظاهرين، وألّفوا من خلال ألوان الملابس التي ارتدوها علماً فلسطينياً رافقهم في الشوارع الضيقة.
كذلك رفع المتظاهرون، الذين يقدّرون بالعشرات، الأعلام الفلسطينية وأعلام «حركة فتح» و«الجبهة الديموقراطية»، لكنهم لم يلفتوا أنظار المارّة، وخصوصاً أنهم كانوا يتناقصون شيئاً فشيئاً لدى توقّفهم للتحدث مع وسائل الإعلام.
لدى الوصول إلى مقبرة شاتيلا، اعتلى ستة أطفالٍ سور المقبرة. وجوههم الغاضبة جعلتهم يبدون في عمر الرجال، وخصوصاً عندما حملوا أعلام فلسطين والتزموا الصمت في حضرة الشهداء. وقفت بعض النسوة، وهن يرتدين كوفياتهن، وكل واحدةٍ تنتظر «ميكروفون» التلفزيون أو كاميرا الجريدة لتعبّر عن موقفها، وتسأل «أين العرب؟ ما في حدا غير هنية ونصر الله بهالأمة.. يرحم أيامك يا أبو عمار».
ساد الصمت قليلاً، إلى أن حضر مكبّر الصوت الذي حمله أحد المنظّمين. الكلمات التي ألقاها رئيس اتحاد الجمعيات البيروتية راجي حكيم وممثّل منظمة التحرير الفلسطينية في التظاهرة سمير أبو عفش ورئيس اتحاد اللجان والروابط الشعبية في بيروت خليل بركات، شددت على دعم المقاومة في غزة، وطالبت الزعماء العرب بالتوحّد والاجتماع في قمّةٍ واحدة، لاتخاذ قرارات جدّية تحمي القطاع، متسائلين عن موعد تحرّكهم. بعد انتهاء الكلمات، دخل المتظاهرون إلى المقبرة، قرأوا الفاتحة لأرواح الشهداء، ورحلوا بهدوء يشبه الهدوء الذي رافق انطلاقتهم.