ريمون هنودلقد ثبت أن الشعوب العربية باتت تغرّد خارج سرب حكّامها، وأن حالة الانفصام التام وقعت بينها وبين حكامها الذين غرقوا في بحور الوصولية والتواطؤ والتخاذل. وما من أحد بعد اليوم، قادر على رأب الصدع إلا إذا قام هؤلاء الحكام أنفسهم بنقد ذاتي صائب عماده صحوة ضمير، وهذا حتى الآن أمر مستبعد. لا شك في أن الشعوب العربية أسقطت الأقنعة عن عروش حكامها، ولكن معضلتها حتى الآن أنها لا تمتلك الآلية الصالحة لإحداث التغيير المنشود، والجامع المشترك بين المعارضات العربية في كل بلد عربي موجود ويتجلّى في الاتفاق على أن العدو واحد لا ثانيَ له، ولكن الاختلافات الأيديولوجية ما بين الأحزاب المعارضة الممتعضة من تصرفات الحكام تحول دون وضع برنامج موحد يمتّن جبهة الصمود والتصدي ويقوّض أدوات العربدة الأميركية ــ الصهيونية التي هتكت وما زالت تهتك الأعراض العربية، وما من وازع ولا رادع لها بفعل سيطرة واستبداد مخالب التواطؤ والتخاذل والإذعان.
إن السبيل الوحيد للانتفاض هو تكوين حائط صد متين في وجه المؤامرات الأميركية ـــــ الصهيونية التوسعية الخطيرة الهادفة إلى نهب ثروات الوطن العربي الثمينة، ولا شك في أن توحّد المعارضات العربية في كل بلد عربي يقتضي بالدرجة الأولى تناسي الخلافات في ما بينها، التي تؤججها الاختلافات الأيديولوجية والتفرغ لمواجهة عدو واحد يهدد الجميع من دون استثناء. فالكيان الصهيوني لا فارق عنده بين مقاوم يساري ومقاوم إسلامي، وتناسي الخلافات بين الأحزاب العربية المعارضة لسياسات العروش يمثّل التربة الخصبة لنمو مقاومة عربية موحَّدة قوية، ويمثّل أيضاً المدخل السليم لجعل الحكام العرب يخجلون من تصرفاتهم، ويوقفون مسلسل التواطؤ والتخاذل الطويل.
وإذا لم تلجأ الشعوب العربية إلى هذه السبل الناجعة، فإن الأمور ستتجه نحو الأسوأ وسيذوب الكيان في الرمال الأميركية المتحركة. إن الشعوب العربية مدعوّة إلى احترام وتقدير طاقات هذه الأمة وأدمغتها وثرواتها ومكانتها وهي مدعوّة إلى التوقف عن إطلاق لغة التبخيس بحق نفسها.
إنّ أمة تمتلك هذه المقدّرات وهذه الثروات الطائلة ستكون حتماً حزينة ويائسة عندما ترى شعوبها تتفرج على حكامها كيف يفرّطون بهذه الثروات والمقدرات ويقدمونها هدايا مجانية على أطباق من ذهب وفضة وماس إلى دول الإمبريالية، ودول الاستعمار، التي تقتل الشعوب الهانئة البريئة وتمتّع نواظرها برؤيتها أشلاء.
إن بناء جبهة الصمود والتصدي العربية متوقف على إرادة الشعوب العربية فقط، والخطوة المقدسة الجبارة التي قام بها الرئيس الفنزويلي المناضل هوغو تشافيز بطرد السفير الصهيوني من فنزويلا لم يقدم عليها إلا بهدف بث الروح الثورية في نفوس الشعوب العربية لحثها على التوحّد من أجل ترميم بنية أمتها وتمتينها وتقوية مناعتها. فعلى الشعوب العربية الشروع الفوري بتلبية نداء الرئيس الفنزويلي والصراخ في وجه إمبراطوريات التآمر بالقول: «هكذا يكون الرجال».