خالد صاغيةأشارت يارا بإصبعها إلى الشاشة، وهتفت بفرح: avion ،avion، طيّارة. لا تعرف يارا الفارق بين الطائرة المدنيّة والطائرة العسكريّة. ولا تعرف أيضاً أنّ الطائرة التي تشاهدها إنّما تطير في سماء بلاد اسمها فلسطين، وتستعدّ لرمي قطع حديديّة كبيرة تسمّى قذائف، وترسل نيراناً تحرق البيوت، وتقتل أطفالاً يشبهون يارا. لا تعرف يارا لمى حمدان التي تكبرها بعام ونصف، والتي قضت مع شقيقتها هيا وشقيقها إسماعيل في يوم واحد. لا تعرف أسماء أطفال عائلة السمّوني الذين قضوا معاً في لحظة واحدة.
يارا لا تعرف كلّ ذلك، تماماً كما لا تعرف أنّ قادة دولة اسمها إسرائيل اختاروا لمجزرتهم اسماً هو نفسه اسم لعبة يلهو بها الأطفال فوق أرض سيبقى اسمها فلسطين. لا تعرف أنّ أطفالاً من عمرها جيء بهم في حرب تمّوز، حين لم تكن قد وُلِدت بعد، ليرسموا أحلامهم على القذائف التي تسقط على أطفال لبنان عام 2006، وليكتبوا رسالة لمن يهمّه الأمر: «من أطفال إسرائيل إلى أطفال لبنان».
«الرصاص المصهور»، كما سمّى قادة إسرائيل عمليّتهم، ليس سوى اسم لعبة لولب (بلبل) كُتبت على أطرافه الأحرف الأولى المكوّنة لجملة «معجزة كبيرة حدثت هناك». جملة تقال إحياءً لعيد «الهانوكا» أو عيد الأنوار.
ما هي المعجزة التي أرادت إسرائيل أن تحدثها في غزّة؟ معجزة حصد أكبر عدد ممكن من الأطفال؟ معجزة صمت العالم و«تفهّمه» للأهداف الإسرائيلية، أم معجزة صمود أهل غزّة؟ الأرجح أنّ معجزة واحدة قد تحقّقت. إنّها معجزة فلسطين المستمرّة منذ 60 عاماً.
تقول الأنشودة: «أستاذي اشترى لي لولباً من الرصاص المصهور/ لولباً لا مثيل له/ على شرف من؟ لمجد من/ فقط من أجل هانوكا... أمّي خبزت لي قالباً من الحلوى، قالباً ساخناً وطريّاً/ قالباً مغموراً بالسكّر/ على شرف من؟ لمجد من؟ فقط من أجل هانوكا».
انتهت اللعبة. 22 يوماً من الغارات. 1300 شهيد. 5300 جريح. على شرف من؟ لمجد من؟