كانت الصور التي عاد بها المصوّر الصحافي البلجيكي برونو ستيفنز من مستشفى في جنوب قطاع غزة تؤكد استخدام إسرائيل للفوسفور الأبيض في العدوان على هذا القطاع الفلسطيني. الصور تظهر نوعية جديدة من الإصابات حيث الحروق تحتل أجساد المدنيين وتزيح عن الشاشة كذبة «الحرب العادلة»
خضر سلامة
اتهمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية إسرائيل باستعمال ذخائر مزوّدة بالفوسفور الأبيض في عدوانها على قطاع غزة، إسرائيل اكتفت بالزعم بأنها لم تخرق القوانين الدولية، رغم أن الصورة الآتية من مستشفيات القطاع، كافية لفضح حقيقة استعمال هذا العنصر الكيميائي، من خلال نوعية الإصابات والحروق، ومن خلال صور قذائف محترقة في الهواء بطريقة «مميزة» عن مواد القتل الأخرى.
ما هو الفوسفور الأبيض؟
إنه تنويع تآصلي لمادة الفوسفور، وهو الشكل الأكثر من مادة الفوسفور، يقول جون دومينيك ميرشيه، المحلّل العسكري الفرنسي، ويؤكد في مقابلة نشرتها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أن «الفوسفور الأبيض يُستخدم لصناعة أسلحة حارقة، لا أسلحة متفجرة، ويمكن تمييز ذخيرة الفوسفور الأبيض من خلال الضوء الساطع الذي ينتج من احتراقه والمُصَاحب بدخان أبيض كثيف، وتالياً، فإسرائيل، كما صرح قادتها العسكريّون، تستخدمه من أجل إنشاء ستار دخاني لقواتها، ومن أجل الإضاءة على الأمكنة بهدف تحديدها». استخدام إسرائيل لهذه المادة الحارقة، ليس سابقة، إذا استخدمتها في حروبها سابقاً، «كما استخدمتها الولايات المتحدة ضد مدينة الفلوجة، كما كان الحلفاء في الحرب العالمية الثانية كانوا يستخدمونها بكثافة ضد المدن الألمانية واليابانية»، يتدارك ميرشيه قائلاً «لا أعتقد أن إسرائيل استخدمت الفوسفور الأبيض كذخيرة قتالية، لأنها كانت تستطيع بها حرق القطاع بأكمله، كما فعل الحلفاء بمدينة هامبورغ الألمانية عام 1943»، كلام ميرشيه يقابله الاعتراف الإسرائيلي باستخدام ذخائره التي لم يحدد طبيعتها، ضمن «حدود القانون الدولي» حسب الناطق العسكري الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. الأطباء الفلسطينيون في غزة صرحوا لقناة La une البلجيكية، أن بشاعة الحروق وطبيعتها لا تدع مجالاً للشك في أنها من آثار مادة الفوسفور الأبيض الذي تكفيه درجة حرارة 30 درجة للاشتعال، ولطبيعة كون قطاع غزة المنطقة الأكثر كثافة في العالم، فإن الدقة التي تدعي إسرائيل اعتمادها في استعمال ذخائرها تنفيها الوقائع والنتائج والصور القادمة من الميدان الضحية».
موقع غلوبال سيكوريتي العسكري، يشرح الآثار الصحية لاستعمال الفوسفور الأبيض، فعدم حاجته إلى ميكانيكية معقدة للاشتعال، وديمومته النارية ما دام على احتكاك بالأوكسيجين، حتى نفاد ذخيرته، والمواد الدخانية الناتجة منه، تظهر جلياً في صحة الضحية، حروق كيميائية عميقة جداً ومؤلمة، تتمثل ببقع صفراء وانهيار الطبقة الجلدية، بما أنه مسرّع لقابلية الدهنيات للذوبان، مكوّناً طبقات من النسيج الميت المحاط بالتهابات متفرقة في البشرة، استمراريته بالاحتراق حتى نفاده، تسمح له بالتغلغل حتى العظام أحياناً! كما أن من آثار الفوسفور الأبيض، احتمال فقدان البصر، إذا ما تعرّض الفرد لشظايا المادة الصلبة منه، التي تسبّب جروحاً في العين.
رغم أن الحروق الناتجة من ذخائر الفوسفور الأبيض المستخدمة للإضاءة وتحديد الأهداف، تُصنف على أنها من الدرجة الثانية والثالثة، غالباً في الجزء الأعلى من الجسد الواقع في المحيط الدائري للقذيفة، فإنها تشير إلى أن هذه المادة لم تخضع بعد لدراسات جدية ومؤكدة ما يترك المجال لاستنتاج هول آثارها من صور المصابين والضحايا.
ومن الآثار الأخرى لهذا الفوسفور، أضرار كبيرة في الكبد والقلب والكليتين بفعل الاحتراق، وإصابات بالاختناق بسبب الستار الدخاني المكوّن من الحمولة المحترقة وبفعل خصائص الفوسفور الكميائية. ولاستعمال الفوسفور الأبيض نتائج نفسية قاسية أيضاً على السكان، بفعل التعرض لعامل الخوف والخسارات المدنية الضخمة.



وينصح عند التعرض لحروق ناتجة من الإصابة بالفوسفور الأبيض، حسب موقع لينتك الهولندي المتخصص في الكيماويات، بغمر المنطقة المصابة بالمياه الباردة، ومن ثم غسلها ببيكاربونات الصوديوم البارد، والتأكد من تنظيف الحرق من كل الأجسام الصلبة من المادة الباقية لتجنب احتراقها، ومن ثم ترك البشرة المصابة مبلّلة بالمياه الباردة.
وثيقة «منع استعمال بعض الأسلحة التقليدية أو الحد منها التي يمكن أن تسبب آثاراً حارقة أو دماراً دون تمييز» الموقعة عام 1980 والمطبقة منذ عام 1983 تمنع استخدام الفوسفور الأبيض ضد الأهداف المدنية، وحتى ضد الأهداف العسكرية الواقعة ضمن مناطق مأهولة، ولكن إسرائيل ليست من موقّعي هذه الاتفاقية.
أشار أعضاء وفد طبي نرويجي دخل قطاع غزة إلى أن إسرائيل تستخدم جيلاً جديداً من القنابل يدعى «DIME» (Dense Inert Metal Explosive) التي يسبب انفجارها إصابات بالغة في قطر يقدر بعشرات الأمتار، وهي مسببة سرطانية على المدى البعيد، وآثارها الدقيقة شبه غامضة لأنها سلاح حديث، إلّا أن الواضح حسب الوفد، أنها تدميرية تحوِّل الضحايا إلى أشلاء.