احتفل الأميركيون أمس بتنصيب باراك أوباما. «التغيير» الذي رفعه الرئيس الجديد شعاراً، جعل بعض الفلسطينيين يأملون. أصوله الإسلامية التي جرى حبر كثير حولها، ولونه المنتمي إلى طبقة اضطهدت لسنين، دفعت بهؤلاء إلى الأمل بأن يتعاطف معهم ويشعر بآلامهم. لكن، كل ذلك الأمل بدده «صمته» أحياناً أو حتى ما سرّب عنه من مواقف خلال العدوان على غزة، جعلت الفلسطينيين يخفضون سقف أحلامهم
قاسم س. قاسم
تجلس سعاد حسين، اللاجئة الفلسطينية في أحد أزقّة مخيم مار الياس. تتحدث في السياسة الدولية كخبيرة استراتيجية بشؤون الأزمات العالمية. لا خيار لدى الفلسطينيين. عليهم أن يتابعوا كل شاردة وواردة لكون مصيرهم معلقاً بتلك الأحداث وتطوراتها. انتخاب أوباما لا يخرج عن هذه الفرضية.
تجيب السيدة السبعينية بصوت منخفض يفرض على سامعها الإنصات باحترام. تقول، رداً على سؤال، إنها لا تتوقع من الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما الذي تم تنصيبه أمس أي تغيير «لأن الأمريكاني بيبقى أمريكاني». ينعكس هدوء المخيم على صوتها وحركات يديها المتجعدتين. تردّ بانحناءة من رأسها على كل من يلقي التحية عليها أثناء مروره بقربها. تعرف السيدة جيداً الخلفية التي خرج منها أوباما. فهو «لونه أسود واسم أبيه حسين»، لكن برأيها كل ذلك «لن يغير شيئاً من سياسة أميركا تجاه العرب وخصوصاً الفلسطينيين». لكن، بالنسبة للحاجة «العالم أصبح يكره الأمريكان». والسبب في ذلك؟ «بوش وأبو بوش اللذان حاربا العالم». تصمت لتتأمل الأرض طويلاً، ثم ترفع رأسها لتقول «صحيح أن أوباما أتى من خلفية مضطهدة، وبالتالي عليه أن يشعر بمأساتنا كفلسطينيين».
تعاود الصمت، وتعبس، فتتجمع تجاعيد جبهتها وهي تصل إلى زبدة الكلام: «ليك يا ابني كلهم زيّ بعضهم وهادا جاي يمسح وسخ بوش اللي تركوا ورا». أما الأزمة الفلسطينية؟ فـ«لن يتغير فيها شيء»، كما تتوقع، فمن يحدد سياسة الولايات المتحدة برأيها هو «اللوبي اليهودي يا ابني». وأوباما «لن يملك الوقت لكي يحلّ أزماتنا، فأمريكا بذاتها عايشة أزمة» كما تقول وهي تردّ خصلات شعرها الأبيض تحت حجابها.
يقترب خليل مساعدي (40 عاماً) منّا خلال حديثنا إلى سعاد حسين ويستمع إلى ما تقوله. لا يتأخر عن المشاركة بالحديث «لن يغيّر تعيين أول رئيس من أصول أفريقية رئيساً لأميركا شيئاً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني» كما يقول، متابعاً «ستون عاماً مرت والكثير من الرؤساء الأميركيين تعاقبوا، ومع ذلك لم تحلّ القضية».
لا يؤمن خليل بأي رئيس أميركي مهما كان لونه «أبيض أو أسود». فاللون وحده، بمعنى الانتماء إلى الفقراء والمضطهدين، لن يحلّ القضية الفلسطينية «أو يجعلنا نتأمل خيراً»، ويسوق الرجل حجته الدامغة «ألم تكن كوندوليزا رايس سوداء؟ وهي أكثر المتحيّزين لإسرائيل؟». يكمل خليل شرحه ليظهر الصلة بين بدء ولاية أوباما وانتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع من أجل تسهيل مهمة الرئيس الجديد. تقاطعه الحاجة سعاد قائلةً «بدّو أرض نظيفة؟ عال. بس من إيش؟ نظيفة من الحرب؟ أما من الفلسطينيين؟». يسحب مساعدي ما بقي من سيجارته، ويقول وهو يرمي العقب بغضب «كل الحق على العرب. هم الذين طوّلوا له الحبل وخلّونا نتبهدل».
على الطرف الشرقي من مخيم مار الياس يقف وليد الأسود أمام محل الخضار الذي يملكه. يحمل الرجل بيده ابريق ماء يرشّ منه بضاعته المصفوفة في صناديقها، فتفوح فجأة رائحة النعناع النفاذة. يتحدثّ إلينا من دون أن يرفع نظره عن بضاعته. ينبئ الحس السليم هذا الرجل المتابع مضطراً لكل الأخبار، أن السياسة الأميركية لن تتغير بتغير الأشخاص القيّمين عليها بهذه السهولة. يتكلم عما يعتبره «خفايا السياسة الأميركية»، معتبراً أنها «محكومة بمصلحة إسرائيل».
أما إن كان مختلفاً؟ يجيب فوراً «إذا خربط بيقتلوه متل ما قتلوا (الرئيس الأميركي الراحل جون) كينيدي». لا يعوّل عليه كثيراً لجهة الأمل بحلّ القضية الفلسطينية، لكن «إذا استطاع أن يقيم دولة فلسطينية فهذا شي منيح». يتوقف عن الحديث منادياً على خضاره. يصل صوته إلى أغلب بيوت المخيم الصغير.
يعود ويتابع حديثه بنبرة غاضبة مصنفاً الرؤساء «كلهم أقذر من بعضهم، أمريكان كانوا أو عرب». تطلب منه إحدى السيدات باقة «كزبرة» فينصرف ليلبّيها.
بالقرب من باب المخيم يجلس محمد إبراهيم وهو يشاهد العمال يعيدون طرش دكان هو جزء من منزله. لا يختلف رأي إبراهيم عمّن سبقه من سكان المخيم «أوباما لا يمكن توقع الخير منه، فهو كان مسلماً ورجع قلب!» يقصد غيّر دينه.
وبالنسبة إليه هذا «دليل كاف على أنه مسيّر من قبل الصهيونية العالمية»! لكن ذلك لم يمنعه من بعض التحليل الواقعي. فأوباما لن يغيّر سياسة بلاده في المنطقة لأن «العرب مشرذمون، والمصالح الأميركية في المنطقة غير مهددة».
والحل الأخير بالنسبة إليه لإجبار أميركا على تغيير سياستها هو «الضغط عليها بتهديد مصالحها في المنطقة»، لأن غير ذلك لن يجدي نفعاً، ما دام الحكام العرب «نواطير الأمريكان» حسب تعبيره. أما الحل بالنسبة إليه؟ فيقول مبتسماً بخبث «الأمريكان والإسرائيليون متل الزيتون. والزيتون ما بيحلى إلا بالرصّ، أسود أو أخضر، فلازم نرصّهم بصواريخنا، ما في إلا هيك» يقول.