طرابلس ــ عبد الكافي الصمد«إذا أرادوا تحويل الأموال التي وعدونا بها لبناء مخيم نهر البارد إلى قطاع غزة فلا مانع عندنا، فنحن وإياهم واحد، ولا مشكلة في ذلك، بل مستعدون لأن نرسل إليهم أموالاً من تبرعاتنا البسيطة التي نجمعها لهم منذ بدء العدوان، ومن ضمن الإمكانات البسيطة المتاحة لنا».
هذه الكلمات تقولها بثقة وقناعة واضحتين منى واكد، من داخل الجزء الجديد لمخيم نهر البارد الذي بدأ يستعيد ببطء شديد نشاطه الذي كان عليه قبل الأحداث التي شهدها صيف عام 2007. ثم تعقبها بتأكيدها أن «ما يحصل في غزة جريمة كبرى، يجعل قلوبنا تعتصر ألماً، ولكن ذلك يجعلنا نتفاءل بقرب العودة إلى فلسطين».
ومع أن واكد أشارت إلى عزم الفلسطينيين على تجاوز الصعاب كما كان يحصل سابقاً، وأننا «نستطيع بناء مخيم نهر البارد بأنفسنا إذا أفسحوا لنا في المجال لذلك، وأزالوا العراقيل من أمامنا»، فإنها لم تقدر أن تتجاهل «الوضع المأساوي الذي يعيشه نازحو المخيم الذين عاد القسم الأكبر منهم إليه».
فمئات العائلات، وخصوصاً التي تهدّمت بيوتها في الجزء القديم، تقيم في «براكسات» معدنية متكدسة فوق بعضها بعضاً في الجزء الجديد من المخيم، ضمن غرف تسمّى بيوتاً، لا تزيد مساحة الواحدة منها على 30 متراً مربعاً، تقيم فيها عائلات مكوّنة من 5 إلى 10 أفراد، وسط ظروف معيشية وصحية في غاية البؤس.
محمد عيسى، الرجل الستيني الذي عاش حياة اتسمت بالهجرة الدائمة، قال: «نعاني الأمرّين من السكن في هذه «البراكسات»، فهي تتحوّل إلى برّاد شتاءً وإلى فرن صيفاً، عدا عن النشّ وتسرّب مياه الأمطار التي لا تجعل أحداً قادراً على البقاء داخل بيته، فضلاً عن الأمراض التي بدأت تنتشر على نطاق واسع في أوساط الأطفال وكبار السن، كالربو والروماتيزم وغيرهما».
وأوضح عيسى أن «الكهرباء التي تؤمّنها لنا الأونروا من مولدات خاصة، تأتينا ساعتين فقط في النهار، وخمس ساعات في الليل، وخلالها نشاهد عبر التلفزيون ما يجري في قطاع غزة. لكن المولد يتعطل باستمرار، تارة بحجة الضغط عليه وعدم قدرته على التحمل، وطوراً بحجة عدم توافر المازوت».
ورغم كل ذلك، «ما يحصل في غزة يؤلمنا، فوجعنا ووجعهم واحد»، ولكن «ما طالع بإيدنا إشي»، يقول عيسى قبل أن يسأل: «هل إسرائيل فوق القانون حتى لا تحاسب أو لا يردعها أحد عن عدوانها، وأين هي معاهدة الدفاع العربي المشترك؟».
بدورها، تغتنم زهر عبد الحميد (68 عاماً) فرصة وجودنا لتقول: «هناك شعب أعزل يتعرض للمذبحة والعالم يتفرج عليه؟ هل هذا معقول؟». تسكت للحظة بعد فورة غضبها لتضيف «لم يعد عندي "نَفَسٌ" لأتفرج على القتلى وأشلاء الأطفال». وأضافت: «العرب يختلفون في أي بلد يجب أن تُعقد القمة، والأرض لم تعد تتسع لدفن الشهداء فيها». لا يقارن حسان داوود حالهم بما يتعرض له أهل غزة، لكنه يقترح «حلاً» «يفتحوا أمامنا أبواب الهجرة إلى الخارج، ففي أي بلد آخر نسنطيع أن نعمل ونعيش بالحد الأدنى من كرامتنا، وعبر ذلك نستطيع مساعدة أهلنا في غزة».