strong>وصلت أزمة السير إلى حدّ لا يُحتمل، إذ يقضي المواطنون ساعات عالقين في سياراتهم في زحمة تمتدّ أحياناً عشرات الكيلومترات. في محاولة لمعالجة أحد جوانب الأزمة، استُقدم من فرنسا عدد من الاختصاصيين لتدريب قوى الأمن على تنظيم السيررجل شرطة فرنسي في كورنيش المزرعة قرب ثكنة الحلو يرفع يده اليمنى تارة واليسرى تارة أخرى، ثمّ يلتفت يميناً وينفخ في صفارته الحديدية. إنه ينظّم السير على أحد أكثر تقاطعات العاصمة ازدحاماً. يراقبه المواطنون بذهول كأنه كائن غريب أتى من كوكب آخر. على جانب الطريق عدد من عناصر شرطة السير اللبنانيين يهزّون رؤوسهم للفرنسي قبل أن يطلب منهم أن يأخذوا مكانه وسط الشارع ويكرّروا حركاته الجسدية المنتظمة. يبدو المشهد مقطعاً تمثيلياً لفترة الانتداب، غير أنه يلقى ترحيباً من المواطنين يتجلّى في ابتساماتهم. فرغم المواقف السياسية المتفاوتة من الفرنسيين، يبرز إعجاب لبناني شعبي بـ«النظام» في دول الغرب عموماً.
رجل الشرطة الفرنسية كان مرتدياً زيّه الرسمي. لم يضلّ طريقه ليصل إلى كورنيش المزرعة بدلاً من إحدى جادات العاصمة الفرنسية باريس. هو في مكانه الطبيعي، ومن المتوقع أن يراه عدد كبير من اللبنانيين خلال الأيام المقبلة على أحد تقاطعات العاصمة، وهو يحاول تدريب زملائه في الشرطة اللبنانية على تنظيم السير في العاصمة.
وقفة الرجل في الشارع تدل على الحزم، لكنه لم يستخدم عبارات اعتاد المواطنون سماعها من رجال الشرطة اللبنانيين، مثل «قرّب يا مرسيدس» و«خلّصني بقا صرلي من الصبح واقف تحت الشتي». كان الرجل الفرنسي يعطي توجيهات لرجال الشرطة اللبنانيين، أكثر مما كان يعطيها إلى السائقين. يطلب منهم الوقوف بشكل مستقيم، وأن يبسطوا أيديهم أكثر من المعتاد، وأن تكون حركة اليدين أسرع، وأكثر استقامة وحزماً. يشير إلى توقيت السماح للسيارات بالمرور، وكيفية الإشارة إلى السائقين بالتوقف.
يقترب رجل الجندرمة الفرنسية من باص عمومي فيفتح سائقه النافذة ليكلّمه. يشرح الفرنسي للسائق بهدوء أن مكان توقف السير يبعد مسافة أمتار عن المكان الذي كان يفترض أن يتوقف فيه الباص. يترجم الشرطي اللبناني إلى العربية ويلتزم الهدوء نفسه. يبتسم السائق ويضع يده على رأسه «على راسي!».
الخبراء الفرنسيون كانوا قد وصلوا إلى بيروت يوم 18/1/2009 استجابة إلى طلب وزير الداخلية والبلديات المحامي زياد بارود، وبدأوا في اليوم التالي تدريب عدد من ضباط الشرطة اللبنانية ورتبائها، في ثلاث دورات. الأولى مدتها عشرة أيام، تهدف إلى توجيه 17 ضابطاً ورتيباً من مفارز السير في بيروت والمناطق على كيفية تنظيم السير في لبنان. تتضمن دورة أخرى إعداد مدرّبين لبنانيين ليدرّبوا لاحقاً زملاءهم اللبنانيين على إدارة السير وتنظيم المرور. أما الثالثة، فهي تدريب رجال شرطة لبنانيين على إدارة غرفة التحكّم بإشارات السير في بيروت الكبرى، والتي انتهى العمل في إعداد بنيتها التحتية، قبل تركيب كاميرات للمراقبة على إشارات المرور، فضلاً عن ربط الإشارات الضوئية بغرفة التحكّم.
وتتمحور الدورات حول كيفية تسهيل المرور على التقاطعات، من خلال توجيه المواطنين توجيهاً صحيحاً، فضلاً عن إزالة المخالفات التي تعرقل مرور السيارات، مثل الوقوف غير المنتظم. إضافة إلى ذلك، تسعى الدورات التدريبية إلى تفعيل التنسيق بين رجال الشرطة الثابتين على التقاطعات والدرّاجين المتنقّلين، ولاحقاً إلى تفعيل التنسيق بين هؤلاء وغرفة التحكّم.
ويزور الوزير بارود والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي صباح اليوم غرفة التحكم بإشارات المرور في بيروت الكبرى، برفقة الخبراء الفرنسيين، للاطلاع على الجهود التي تبذل لمعالجة النقص في التجهيز والتنظيم والعديد والخبرة.
(الأخبار)


من باريس إلى بيروت