إيلي شلهوبمبروك لأصحاب الجلالة والفخامة مصالحتهم في الكويت. وهنيئاً لشهداء غزة هذا الإنجاز العظيم. لكن الشكر يبقى طبعاً لخادم الحرمين على مبادرته الاستثنائية، ولأمير الكويت على جهوده في تقريب وجهات النظر. في هذه الأثناء، يمكن شعوب هذه الأمة التعيسة أن تفرح وتهلل. التقى الزعماء أخيراً. تبادلوا أطراف الحديث. تناولوا الطعام إلى مائدة واحدة. أخرجوا نحو ملياري دولار من جيوبهم وأهدوها إلى أهل غزة. وانبلج فجر عربي جديد.
أي مهزلة هذه؟ وأي استخفاف هذا بعقول من نزلوا الشوارع بعيون تدمع وحناجر تصدح وقبضات تطالب بنصرة المقاومة؟ بالله عليكم يا من حوّلتم حياتنا إلى جحيم على مدى السنوات الأربع الماضية (إذا سامحناكم على العقود السابقة)، ما دامت مصالحتكم بهذه الدرجة من السهولة ولا تحتاج إلى أكثر من تبويس لحى، فلماذا لم توفروا على هذه الأمة، يا «قادة الأمة»، كل هذه المآسي؟ من اضطرابات لبنان، إلى العدوان عليه، إلى 7 أيار، إلى الحسم في غزة، وأخيراً هذه المجازر التي يندى لها الجبين في القطاع. وكأن خلافكم كان على قطعة حلوى، أو علبة علكة، أي مناكفات أطفال، وليس صراع مشروعين يقسمان المنطقة إلى معسكرين: الأول «ممانع»، والثاني «معتدل»، كما كنا نعتقد.
لكن إذا كانت مصالحتكم شكلية، كما يبدو واضحاً، وحجتها ما أعلنه المبادر إليها عن أنها تتويج لتضحيات شهداء غزة، فخسئتم؛ إن دماء طفل فلسطيني واحد سقط بنيران الاحتلال، التي غطاها بعضكم، أشرف وأطهر من عروشكم كلها. كذلك فإن حماوة هذه الدماء سرعان ما ستبرد في نفوسكم، كالعادة، وسيلقى تلاقيكم المصير نفسه لذاك الذي جرى في الرياض قبل نحو عامين.
لعل زميلكم، فرعون زمانه، أكثر من عبّر عن هشاشة ما حصل. يبدو أكثر انسجاماً مع نفسه. لم تهزه مأساة غزة كما لم يفعل استهزاء واشنطن وتل أبيب به. لا يزال مصراً على تحميل المقاومة مسؤولية ما حصل، ومتمسكاً بالقضاء عليها. الأمر نفسه يصح على أبو مازن، الذي ينتمي وإياه إلى المدرسة نفسها.
أما ملك السعودية، فتصح عليه المقولة المصرية: أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب.