الذكاء الاصطناعي يحتل مساحات متزايدة من حياتنا اليومية، وتتسابق الشركات الأميركية والأوروبية والآسيوية على إنتاج روبوتات ذكية قادرة على القيام بأشغال الإنسان. لكن ثمة تكنولوجيا جديدة يكثر الحديث عنها، إنها «الحاسوب المفكر» أو المشروع الذي تراهن عليه شركة IBM وجامعات أميركية

روني عبد النور
بعد التوصّل إلى تصنيع حواسيب نجحت في فكّ رموز الجينوم البشري وفي حساب الأعداد التي لا تُقسم سوى على نفسها والتي تتألّف من 13 رقماً، هل يتم التوصّل إلى تصنيع حاسوب يشبه في عمله عمل أدمغة الثدييات؟ هذا ما تعتقده شركة IBM وعدد من الجامعات الأميركية الرائدة في الدراسات التكنولوجية، مثل جامعتي كولومبيا وويسكونسن ـــــ ماديسون. وتسعى هذه المؤسسات إلى تحقيق «الحلم» من خلال إعداد برنامج تشغيل ما يُسمّى «الحاسوب المفكّر». وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن جامعات كورنيل وستانفورد وكاليفورنيا هي من تُلقى على عاتقها مهمة تصنيع الحاسوب.
يهدف المشروع إلى ابتكار أنظمة تقدر أن تحاكي وتضاهي قدرات العقل لناحية الإحساس، والإدراك والحركة والتفاعل، فيما تتميّز هذه الأنظمة باستهلاكها المحدود للطاقة، بما لا تتجاوز حاجة مصباح كهربائي بقدرة 100 واط.
ففيما يشير انفجار المعلومات الرقمية إلى تواصل سيرها في خطوات مطّردة من النمو، بحيث تتزايد بواقع 60 في المئة سنوياً (وفق إحصاءات مراكز الدراسات الدولية)، تفقد هذه الأخيرة الجزء الأوفر من قيمتها في ظل غياب القدرة على مراقبة هذه المعلومات وتحليلها والتفاعل معها في الوقت الفعلي (Real Time). فإلى حين أن يتمّ الحصول على المعلومة وتحليلها، يمكن للقرارات أن تتأخّر لوقت ما، وهذا قد يؤثّر سلباً على سير الأعمال.
هنا، تبرز أهمية الحواسيب الإدراكية. أصحاب المشروع يقولون إنها يمكن أن تقدّم الكثير للأنظمة المعلوماتية عبر مساعدتها على التفاعل مع الكمّ الهائل من المعلومات وتحليلها على تنوّع مصادرها وبلمح البصر. فقد يستحيل على شخص واحد، أو حتى على مجموعة من الأشخاص، القيام بهذه المهمة، بيد أن الحاسوب الإدراكي، الذي يعمل كعقل شامل، يستطيع جمع المعلومات المبعثرة وترتيبها بطريقة معيّنة تسمح عندئذ للبشر باتّخاذ القرارات المناسبة في وقت قصير.
لكن، كيف التوصّل إلى هذا الحاسوب، وما دور فهم آلية عمل الدماغ في ذلك؟
يقول جوليو تونوني، أحد أعضاء الفريق، إن كل خلية عصبية في الدماغ تدرك، في لحظة ما، أن شيئاً ما سيتغيّر، فتسارع إلى إعلام الدماغ، مثلاً، أنها تعرّضت لحرق وأن الوقت مناسب لإحداث التغيير. وعلى هذا المنوال، يقفز القط بعيداً عن الموقد حالما يشعر بالحرارة، ويتعلّم، في الوقت عينه، ألا يقترب من مصدر الحرارة ثانية.



فمن خلال الاستعانة بكل من سلوك الدماغ ووظائفه وبنيته، يقوم فريق العمل بتجزئة أنموذج آليات البرمجة التقليدية. إذ يهدف أولاً إلى منافسة المستوى المتدنّي للطاقة المطلوبة والحجم الصغير باستخدام أساليب ثانوية، وثانياً إلى الحصول على حواسيب مصبوغة كليّاً بنوع جديد من الذكاء، يمكّنها من دمج المعلومات الصادرة عن مجموعة من أجهزة الاستشعار ومن شتى المصادر، والتعامل مع أشكال الالتباس المتنوّعة، إضافة إلى التعلّم مع مرور الوقت وتحقيق أنماط إدراكية لكل المشاكل المعقّدة في بيئات حقيقية معقّدة أيضاً.
في هذا السياق، يضيف تونوني أن عقول الثدييات تتّسم بالمرونة والقدرة على التعلّم من التجربة، ناهيك عن تكيّفها مع الوضعيات المختلفة. ليس المطلوب نسخ الدماغ نسخاً مطابقاً كلياً، بل تقصّي الخلايا العصبية الضرورية لتنفيذ العملية وتلك التي يمكن الاستغناء عنها. فالمهمة لن تكون سهلة، والكلام لتونوني، لكن التوصّل إلى فهم آلية عمل دماغ أصغر الثدييات يمكن أن يمثّل عوناً من أجل تحديد المهمات التي تنجزها. وإذا ما جرى بناء دماغ فأر، يكون المشروع قد بدأ رحلته على السكة الصحيحة، ويمكن عندئذ إضافة تعقيدات تسمح بالانتقال إلى دماغ جرذ، قط أو قرد.
يُذكر أن الفريق كان قد حصل في وقت سابق على ما يناهز 5 ملايين دولار من وكالة الدفاع ومشاريع البحث المتقدّمة (DARPA) لإنجاز المرحلة الأولى من مبادرةSystems of Neuromorphic Adaptive Plastic Scalable Electronics (SyNAPSE). ولهذا الغرض، ستجري IBM أبحاثاً مركّزة طوال الأشهر المقبلة وذلك للتحقّق من وظائف دورات الدماغ المصغّرة. وقد قام الفريق فعلاً بتجربة محاكاة شبه واقعية ناجحة بواسطة الحاسوب العملاق BlueGene.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن حكاية IBM مع الذكاء الاصطناعي ليست حديثة العهد. فهي تعود إلى عام 1956 عندما قامت الشركة بإجراء أول محاكاة لحائية تناولت 512 خلية عصبية من قشرة الدماغ الخارجية.