أطلقت جمعية رواد فرونتيرز، أمس، دراستها القانونية عن أوضاع اللاجئين. جرى في المؤتمر الصحافي شرح مقتضب لمعاناة العراقيين الهاربين من قسوة الاحتلال، بحضور ممثلين عن المنظمات الإنسانية، ووزارة الداخلية اللبنانية
أحمد محسن
انطلق المؤتمر الصحافي (بعنوان أبواب مغلقة) لجمعية روّاد فرونتيرز بهدوء شديد، يشبه الطريقة التي يتسلل فيها معظم اللاجئين العراقيين إلى لبنان. يهربون من أوزار الحرب التي تهدد حياتهم في العراق، ويطلبون النجدة هنا في لبنان. أشارت الدراسة التي أعدّتها الجمعية في مقدمتها، إلى أن اللاجئين العراقيين ليسوا وحدهم طالبي اللجوء، لكنهم عينة واضحة عن أهله. أما عن تفاصيل الدراسة، فركزت على وضع اللاجئين القانوني والأمني في لبنان. شدد ممثل جمعية رواد، على أن الهدف الأساسي من الدراسة، هو خلق آلية تواصل حقيقية مع السلطات القضائية والأمنية المعنية. ويمكن وضع حضور ممثل عن وزير الداخلية في هذه الخانة، التي ترمي إلى الانتقال من مرحلة توصيف المشكلة، إلى مرحلة التعاون الجدي بين الجمعيات الباحثة والدولة، لوضع آلية السياسات على أمل تنفيذها تدريجياً.
نبّهت الدراسة في بدايتها، إلى تجاهل السلطات الأمنية المعنية للمعاهدات الإنسانية المتعلقة بالموضوع. فعلى الرغم من أن حق اللجوء مكرّس في لبنان، بموجب المادة 14 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 3 في اتفاقية مناهضة التعذيب، فإن السلطات الأمنية لا تعترف بالمواطنين العراقيين كلاجئين حتى اليوم، فيما لم يترك الاحتلال خياراً لبعضهم سوى أن يصبحوا كذلك. وفي هذا الإطار، ذكّرت الدراسة بالمادة 52 في الدستور اللبناني، التي توجب احترام المواثيق الدولية وتطبيقها، كما قدمت بعض النماذج والحالات، رأت فيها دليلاً على الخرق الفاضح للدستور. إذ إنه تبعاً للآلية السائدة عملياً، ينبغي على العراقيين أن يستحصلوا على طلب إقامة من دوائر الأمن العام، كأي أجنبي، رغم أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، منحت بعضهم وثيقة لجوء. «إلا أن الوثيقة لا تلقى التجاوب من السلطات الأمنية دائماً» كما جاء في الدراسة، حيث «لا وجود لآلية عملية تنظم استقبال طلبات اللجوء على الحدود».
إذاً، مثّل البحث في «الاحتجاز التعسفي» الحلقة الأبرز في الموضوع. وفي مقاربة موضوعية للسياسة التي تنتهجها الدولة اللبنانية مع العراقيين، شبّهت الدراسة الاحتجاز المطّول، بالوسيلة الرادعة لحث اللاجئين على مغادرة الأراضي اللنانية، وتخويف الآخرين من مخاطر القدوم إليه في آن. بيد أن الأمر ليس سلبياً دائماً، فقد أعلنت غيدا فرنجية ممثلة جمعية رواد، «أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي كان قد صرح في وقت سابق بعدم جواز توقيف اللاجئين العراقيين، عملاً بمواثيق الأمم المتحدة». إضافة إلى ذلك، تطرقت فرنجية إلى 3 أحكام لقضاة لبنانيين، تمسكوا بالمعاهدات الدولية والدستور اللبناني، ورفضوا طلب ترحيل عراقيين، بصفتهم لاجئين لدى الدولة اللبنانية. وفي محاولة لتوضيح سير الأمور على الأرض، توقعت الدراسة «عدم معرفة النائب العام بجميع عمليات الاحتجاز التي تحدث، حيث يوقّع المحتجزون على المحاضر دون قراءتها، ولا تتلى عليهم حقوقهم، فلا يعرفونها». وعادت الدراسة لتكرر أن الأحكام القضائية الإيجابية هي استثنائية في الشكل والمضمون، إذ إن الأحكام الأخرى نصت على ترحيل عدد كبير من اللاجئين، لافتة إلى أن محاكم الاستئناف لا تفعل شيئاً في هذا الصدد.
وراجعت الجمعية في دراستها، قانون العقوبات اللبناني، «فلم تجد فيه سبباً واحداً يسمح باحتجاز اللاجئين في نظارة الأمن العام تحت الأرض، من دون السماح لهم بالاتصال بأقاربهم على الأقل». أما عن انتهاء فترة التوقيف، أو الاحتجاز، فإما أن يرحل اللاجئ (وإعادة التوطين في بلد ثالث عالقة بسبب الوضع الإقليمي عامة)، أو يتكبد دفع تكاليف الإقامة. وهنا، يزداد ألم اللاجئ، الذي في حال عودته إلى العراق «طوعاً» كما تسميها السلطات المرحّلة، لن يعود إلى بيته، لا بل سيعود نازحاً. وصفت الدراسة هذا الترحيل المسمى «طوعياً» بالأخطر، من بين كل التفاصيل الأخرى، حيث تتجاهل السلطات الأمنية إجراءات اللجوء، ويصار إلى القيام بإجراءات الهجرة العادية عوضاً عنها.
أوصت الدراسة السلطات اللبنانية بوضع حد لكل «التجاوزات التي تصيب اللاجئين»، كما طالبت بإجراء تحقيق فوري ومعلن، لمحاكمة كل المخالفين. لكن أبرز ما أتت على ذكره التوصيات، هو دعوة القضاء اللبناني إلى إنشاء هيئة قضائية مستقلة، تراجع جميع قرارات الترحيل منهجياً، وتضمن عدم حصول أي إبعاد قسري. كما أوصت الدراسة بمنح اللاجئين العراقيين «سمات إقامة مؤقتة»، بناءً على أسس إنسانية.


الاحتجاز التعسفي خرق للدستور

أبرم لبنان مذكرة تفاهم مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة في عام 2003، ورغم ذلك لا تعترف السلطات اللبنانية بشهادة اللجوء الصادرة عن المفوضية، فيعامل حملتها كمهاجرين غير شرعيين. هذا ما يناقض المادة «ب» من مقدمة الدستور اللبناني، التي توجب احترام الاتفاقيات الدولية