تُعَدّ قصة تحالف جماعة الإخوان المسلمين المصرية، مع النظام السعودي، ومن ثمّ انفصالهم الكبير، بدءاً من الثورة الإسلامية في إيران، مروراً باجتياح جيش صدام حسين، الأراضي الكويتية، وصولاً إلى القطيعة ــ العداء بين الطرفين في عام 2002، واحداً من أهم أحداث تاريخ منطقتنا الحديث والمعاصر
حسام تمام *
يرجَّح أن أول فصول العلاقة بين الإخوان المسلمين، والمملكة العربية السعودية، كان هو نفسه أول سنوات تأسيس كل منهما؛ فقد كانت المملكة التي أسسها الملك عبد العزيز آل سعود على مشروعية دينية تنطلق من تحالف مع الدعوة الوهابية، الوجهة الأولى التي فكر الشيخ حسن البنا، مؤسس أول جماعة إسلامية في الرحيل إليها، والاستقرار بها حين كان يبحث في بداية دعوته عن بيئة أكثر ملاءمة من مصر، وكانت المفاضلة دائماً بينها وبين اليمن التي كانت تخضع وقتها لحكم الأئمة.
ويذكر البنا في «مذكرات الدعوة والداعية»، واقعة اتصاله بمستشار الملك عبد العزيز، الشيخ حافظ وهبة، وتدخل وهبة لدى الحكومة المصرية لنقله للعمل مدرّساً في منطقة الحجاز، وكيف أن المحاولة فشلت بسبب عراقيل إدارية.
ورغم أن النجاح الذي أحرزه الشيخ البنا، وخاصة بعدما انتقل بجماعته من الإسماعيلية الصغيرة إلى العاصمة القاهرة، أغراه بالتراجع عن فكرة الهجرة، فقد حافظ على علاقات وثيقة مع المملكة التي كان يعتبرها عوناً للجماعة، وكان يحرص على حضور موسم الحج للتعرف على وفود البلدان الإسلامية ونشر دعوته بينها وتوثيق صلاته بالنظام السعودي تدريجاً حتى صارت المملكة الأكثر تعاطفاً ودعماً للجماعة؛ وهو ما ارتبط برغبتها في تأكيد شرعيتها الدينية بتقريب الرموز والشخصيات الإسلامية، ودعم الكيانات والمؤسسات الإسلامية ومنها الإخوان المسلمون.
وعقب حل السلطات المصرية للجماعة في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1948، تلقى الشيخ حسن البنا دعوة للسفر إلى المملكة والاستقرار بها، في أجواء كانت توحي كلها بنهايته المأسوية؛ إذ لم يمكث البنا طويلاً، فاغتيل في 12 شباط/ فبراير 1949، ثأراً لاغتيال شباب بالنظام الخاص للجماعة، النقراشي باشا رئيس الوزراء وصاحب قرار حل الجماعة.
على أن المملكة توقفت عند حدود التعاطف والدعم المحدود للجماعة، فلم تسمح لها بفتح فروع في المملكة أسوة ببلاد أخرى كسوريا والأردن. ويتردّد أن الملك عبد العزيز تعامل مع طلب للشيخ البنا بفتح فرع للجماعة، بذكاء؛ فلم يجبه إليه ولم يرفضه بصراحة أيضاً. وقال بدبلوماسيته المعروفة: كلنا إخوان مسلمون! وهو موقف يمكن تفهمه من نظام تأسس على تحالف مع دعوة دينية (الوهابية) ولا مصلحة له في فتح أبواب أمام جماعة دينية منظمة ولها مشروع إسلامي مغاير.
على أن الشيخ حسن البنا ظل وفياً لهذه العلاقة، محافظاً عليها وهو ما ترجمته الجماعة في تنظيمها استقبالاً شعبياً كبيراً للملك عبد العزيز أثناء زيارته مصر ولقائه الملك فاروق. فنظمت له فرق الجوالة بالجماعة عرضاً عسكرياً في استقباله، في ترحيب غير مسبوق ولم يتكرر مع غيره من الملوك والرؤساء.
ولم تتأثر العلاقات الإخوانية ـــــ السعودية باغتيال حسن البنا، فاستمرت الجماعة في توظيف موسم الحج لنشر الدعوة عالمياً ومباشرة علاقاتها مع المرتبطين بها وقيادات التنظيمات الإسلامية الأخرى من أنحاء العالم. وعقدت في موسم الحج اجتماعات للتباحث في شأن اختيار مرشد جديد لها، ومنها اللقاء الشهير الذي عرضت فيه على الشيخ أبي الحسن الندوي، علّامة الهند الأشهر، تولّي مسؤولية الجماعة، غير أنه اعتذر وفضّل أن يختار الإخوان مرشدهم من بينهم ومن داخل مصر.
وعقب قيام ثورة يوليو/ تموز 1952، وقع الصدام بين قادتها والإخوان ووصل ذروته باتهام الجماعة بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في حادث المنشية الشهير (26-10-1954)، وهو ما أسفر عن حملة اعتقالات ومحاكمات واسعة طالت الآلاف وأعدم فيها خمسة من كبار قادتها.
وفي هذه المرحلة، صارت المملكة الملاذ الأول لقيادات الجماعة وكوادرها الهاربة من ملاحقات النظام الناصري، ففتحت المملكة أبوابها لأعضاء الجماعة الهاربين ومنحت جنسيتها لعدد كبير من رموزها وقادتها، ومن أشهرهم الشيخ مناع القطان (الذي أصبح الأب الروحي لإخوان المملكة)، والشيخ عشماوي سليمان، ومصطفى العالم... وعبد العظيم لقمة الذي بدأ نشاطاً اقتصادياً كبيراً في المملكة حتى صار واحداً من كبار أثرياء الإخوان في العالم.
وقد صارت العلاقات الإخوانية السعودية جزءاً من الصراع الذي شهدته المنطقة وقتها بين الأنظمة الملكية المحافظة، وعلى رأسها النظام السعودي، والنظام الثوري الذي كان يقوده ناصر في مصر، والذي كان الغرب يرى فيه تهديداً لاستقرار المنطقة.
وسعى النظام السعودي إلى توظيف الإخوان كورقة ضغط على نظام ناصر الذي كان يهدد استقراره. وقام سعيد رمضان، صهر الشيخ البنا، بدور بارز في هذا الصدد وهو أهم من قاموا بتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بدعم سعودي.
وتوثق التحالف الاستراتيجي بين الجماعة والمملكة، ووصلت ذروته في اعتراض النظام السعودي على الأحكام المشددة التي أصدرتها المحكمة العسكرية بمصر عام 1965 وقضت بإعدام خمسة من قادة الإخوان، على رأسهم الشهيد سيد قطب. وجرت محاولات سعودية للتدخل من أجل وقف تنفيذ الحكم، لكنها لم تفلح، وأعدم قطب واثنان من رفاقه، لتزداد العلاقات المصرية ـــــ السعودية تردياً في الوقت الذي يتجذر فيه تحالف المملكة مع الإخوان.
وشهد عهد السادات (1970 ــ 1981) انفتاحاً وتحسناً كبيرين في علاقة النظام المصري مع الجماعة ومع المملكة أيضاً في ظل تغيرات إقليمية واسعة شهدت تحالفاً بين النظامين المصري والسعودي، وخاصة بعد حرب أكتوبر 1973، للتصدي للتغلغل السوفياتي في المنطقة.
وعقب الإفراج عنه، زار حسن الهضيبي مرشد الإخوان، المملكة عام 1973، حيث عُقد أول اجتماع موسع لقيادات الإخوان منذ محنة 1954 بمكة المكرمة في موسم الحج بغرض إعادة تشكيل مجلس شورى الجماعة وتكوين لجنة لإعادة بناء هيكل الجماعة.
ثم بدأت حركة واسعة بين الإخوان، سافر فيها عدد كبير من قياداتهم وكوادرهم للعمل في المملكة في منتصف السبعينيات التي شهدت حركة نهضة واسعة قادها الملك فيصل، كان من نتائجها انفتاح المملكة واستيعابها لمئات الآلاف من العمال المهنيين والخبراء والأكاديميين المصريين. وقد كان للإخوان الأولوية في الحصول على الوظائف وفرص العمل نظراً للتعاطف الذي أبداه السعوديون رسمياً وشعبياً مع الإخوان الخارجين من محن السجون والمعتقلات، فشهدت هذه الفترة سفر عدد من أقطاب ورموز الإخوان المصريين إلى السعودية، مثل: توفيق الشاوي، كمال الهلباوي، على جريشة، عبد المنعم تعيلب، عبد الستار فتح الله سعيد وأحمد العسال... إضافة إلى الشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق وآخرين من المحسوبين على الإخوان رغم انفصالهم عنها تنظيمياً.
وتمدّد الوجود الإخواني في معظم الجامعات السعودية التي تأسست غالبيتها في هذه الفترة وكانت بحاجة إلى استكمال هياكلها الإدارية والأكاديمية، وكذلك في عدد من المؤسسات الإسلامية الرسمية وشبه الرسمية، وأهمها «الندوة العالمية للشباب الإسلامي» التي ما زالت محسوبة على الإخوان.
وأسس عدد من الإخوان مجموعة مدارس ودور نشر وإصدارات صحافية استوعبت عدداً كبيراً من كوادرهم.
وامتدت مشاركة الإخوان إلى الأنشطة الاقتصادية التي استوعبت عدداً منهم، أبرزهم مثل: عبد العظيم لقمة، يوسف ندا (رغم استقراره في أوروبا) ومصطفى مؤمن... وغيرهم من الإخوان الذين أسسوا عدداً من الشركات العاملة في قطاع البناء والتشييد غالباً بحكم التوسع العمراني الذي ساعدت عليه الطفرة البترولية والارتفاع الهائل في أسعار النفط بعد حرب
أكتوبر.
كذلك استوعبت أنشطة المصارف والبنوك الإسلامية قطاعاً كبيراً من كوادر الإخوان في مجال المحاسبة والتجارة. وتنوعت قنوات العلاقات السعودية الإخوانية لتشمل الدعم الذي كانت تقدمه الهيئات الدينية السعودية الرسمية وغير الرسمية (هيئة كبار العلماء، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إدارة الوعظ والإرشاد والإفتاء... إلخ) للجماعات الإسلامية في جامعات مصر، والذي تمثل أساساً في طبع ونشر وتوزيع كميات هائلة لعناوين مختلفة من كتب السلفية الوهابية أثرت في أفكار قادة هذه الجماعات وأعضائها ونقلها عدداً كبيراً منهم ممن انضموا لاحقاً إلى جماعة الإخوان في نهاية السبعينيات، فتأثّر فكر الإخوان بالفكر الوهابي السلفي كما لم يحدث من قبل.
وانعكس هذا التحالف الاستراتيجي بين الجماعة والمملكة على أدبيات الإخوان التي أعطت للمملكة وللأسرة السعودية ما لم تعطه لغيرها من الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، فلم تكن تخلو من إشادة بدعمها الجماعة والصحوة الإسلامية بصفة عامة عربياً وعالمياً، وكان ينظر إلى المملكة في الأوساط الإخوانية باعتبارها الأقرب إلى النموذج الإسلامي من غيرها، وإن كانت بصورة أقل بكثير عنها عما هي عليه عند جمهور الجماعات الإسلامية الأخرى وخاصة المنتمية إلى التيار السلفي الذي كان ينظر إلى الدولة السعودية باعتبارها الدولة الإسلامية في أرض الحقيقة!
وسعت جماعة الإخوان للحفاظ على هذا التحالف وتحاشت كل ما من شأنه الإضرار بها، فامتنعت عن تأسيس تنظيم إخواني لها في المملكة على شاكلة الصورة التي أسست عليها تنظيماتها في أقطار أخرى، وتفهمت حساسية النظام السعودي من أي تنظيم ديني يمكن أن ينازعه شرعيته الدينية أو يخالف الدعوة الوهابية. واكتفى الإخوان بوجود غير منظم لهم داخل المملكة كان يعبّر عنه عدد من الإخوان المتجنسين بالجنسية السعودية، في مقدّمهم المرحوم الشيخ مناع القطان.
لم يكن هناك تنظيم للإخوان السعوديين بالمعنى التنظيمي، وإن سمحت الجماعة لأعضائها العاملين في المملكة بالارتباط تنظيمياً، ولكن داخل تنظيمات خاصة ببلادهم الأصلية (تنظيم لإخوان سوريا، وآخر لإخوان السودان، وثالث لإخوان مصر... وهكذا). ولكنها في الوقت نفسه، حظرت عليهم التدخل في الشأن السعودي أو الانفتاح على الإخوان السعوديين الذين لا يمكن النظر إليهم والتعامل معهم وفق المعايير التنظيمية المعروفة لدى الإخوان.
لقد كان إخوان السعودية أقرب إلى طبيعة المجتمع السعودي منه إلى الإخوان، فسيطر عليهم المزاج السلفي الوهابي، وارتبطوا بعلاقات قوية مع النظام، وكانوا جزءاً من بنية المجتمع القبلية، وهو ما دفعهم ـــــ مثلاً ـــــ إلى الاعتراض على فكرة (البيعة) لمرشد الإخوان باعتبار أن في أعناقهم بيعة شرعية لولي الأمر (الملك).
وقد تفهمت الجماعة هذه الحساسية، فلم تعطِ لقضية (البيعة) اهتماماً كبيراً في تعاملها مع إخوان الخليج، خوفاً من انعكاساتها على علاقتها بأنظمتها الحاكمة، وعلى رأسها النظام السعودي، حيث تستمد هذه الأنظمة مبرر وجودها من شرعية دينية تمثل «البيعة» ركناً هاماً فيها.
وتحاشت الجماعة إثارة النقاش الفقهي والشرعي حول مفهوم «البيعة» لهذا السبب، ولقطع الطريق على بعض شيوخ السلفية الذين كانوا يطعنون في ولاء الإخوان لولاة الأمر بسبب «بيعة» مرشدهم.
غير أن أول شرخ في التحالف الاستراتيجي، كان في موقف جماعة الإخوان من الثورة الإسلامية في إيران أوائل عام 1979؛ إذ سارعت الجماعة إلى الاتصال بقادة الثورة الذين عيّنوا كمال خرازي (وزير الخارجية في ما بعد) ضابطاً للاتصال بالتنظيم الدولي للإخوان، واجتمعت أمانة سر التنظيم في سويسرا في مايو/ أيار من العام نفسه وأصدرت عدة قرارات، أهمها: تأليف وفد من قيادات الإخوان لزيارة إيران والتهنئة بنجاح الثورة، وإصدار كتيّب عن الثورة يبرز إيجابياتها، وبناء صلات مع حركة الطلبة في إيران من خلال الاتحاد العالمي للطلبة المسلمين التابع للجماعة.
وكان لهذا الموقف انعكاسات سلبية، وخاصة أن النظام السعودي كان يرى في الثورة الإيرانية تهديداً لأمنه، إضافة إلى الخلاف المذهبي المستعر بين الجمهورية الشيعية والمملكة التي تأسست على دعوة وهابية تحمل عداءً راسخاً للشيعة، فكان التوتر بين المملكة وجماعة الإخوان.
إلا أن أوضاعا إقليمية ودولية جديدة أعادت العلاقات إلى مسار التحالف؛ فقد بدأت عملية حصار الثورة الإيرانية واندلعت الحرب العراقية ـــــ الإيرانية التي قادت فيها السعودية ومصر تحالفاً واسعاً لدعم العراق، وسرعان ما عدل الإخوان موقفهم بعد تطورات الحرب، وشكلت نفس الرموز التي زارت إيران، وعلى رأسها السوري الشيخ سعيد، حوى لجنة أخرى للتصدي للخطر الإيراني الشيعي، وكان إحدى مهام اللجنة التي عرفت باسم (فتح إيران) تحويلُ إيران إلى المذهب السني!
ثم كان الغزو السوفياتي لأفغانستان والذي دفع بالأنظمة الكبرى في المنطقة وعلى رأسها النظامان المصري والسعودي إلى التحالف ضمن ترتيبات وتحالفات غربية أشمل وأوسع مدى للتصدي لهذا الخطر؛ فنشأ بموازاته تحالف سعودي إخواني ضمن توجه عالمي لمقاومة الغزو السوفياتي، وأطلقت المملكة يد الإخوان والقوى الإسلامية الأخرى وأمدّتهم بما تستلزمه مهام تعبئة وحشد الشارع العربي والإسلامي للتصدي للسوفيات ومساندة الجهاد الأفغاني الذي تحملت المملكة القسم الأعظم في كلفته المادية، واستمر ذلك طوال عقد
الثمانينيات.
لم تستمر الحال طويلاً، فكان الغزو العراقي للكويت (أغسطس / آب 1990) أكبر شرخ في تاريخ العلاقات السعودية الإخوانية، إذ بالرغم من إعلان الإخوان رفض الغزو والوقوف مع الكويت ومطالبة العراق بالانسحاب، إلا أن هذا الموقف لم يكن بالمستوى المطلوب أو الذي كانت تنتظره المملكة وبقية دول الخليج، حيث رفضت الجماعة مبدأ الاستعانة بالقوات الأجنبية وخاصة الأميركية لتحرير الكويت، ونددت بوجود هذه القوات في بلاد الحرمين، وهو ما سبب إحراجاً للنظام السعودي، بما أحدث ردة فعل عنيفة ضد الجماعة حتى من بعض تنظيمات الإخوان في الخليج، فانشق إخوان الكويت احتجاجاً على ما اعتبروه تخلياً من الجماعة عن قضيتهم، وزاد من توتر العلاقة إعلان بعض تنظيمات الإخوان القطرية أو التي كانت تابعة لهم (مثل حركة النهضة التونسية، والجبهة القومية السودانية) مساندة العراق، وزيارة عدد من الأقطاب والرموز المحسوبة على الإخوان للعاصمة العراقية بغداد ومقابلتهم للرئيس صدام حسين.
كان موقف الإخوان خروجاً على مقتضيات التحالف التاريخي والاستراتيجي بين الجماعة والمملكة؛ وهو ما كان إيذاناً بتفكك عرى هذا التحالف الذي شهد طوال عقد التسعينيات تراجعاً على كل المستويات يمكن رصده في اتجاهين: الأول يتمثل في إطلاق يد عدد من المنابر الإعلامية والمؤسسات الدينية شبه الرسمية الرافضة للفكر الإخواني والسماح لها بالتهجم على الإخوان والنيل من رموزهم وأفكارهم بل والتحريض عليهم كما في تياري الجامية والمدخلية المدعومين من أطراف رسمية بالنظام.
أما الثاني فقد تمثل في تكثيف التعاون الأمني غير المسبوق مع النظام المصري في ملف الجماعات الإسلامية بما فيها جماعة الإخوان حتى صار أبرز خصوم الإخوان (وزير الداخلية الأسبق زكي بدر) أهم مستشار أمني للمملكة!
ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، فكانت إيذاناً بظهور وضع عالمي جديد أحد معالمه الرئيسية ملاحقة وتصفية كل الحركات الإسلامية التي رأت فيها الولايات المتحدة الأميركية تهديداً ولو محتملاً لها؛ ولأن الفاتورة كانت عالية الكلفة بأكثر مما كان متخيّلاً، ولأن المملكة كانت في صدارة الدول المهددة بدفع هذه الفاتورة، ولأن ميراث التحالف مع القوى والجماعات الإسلامية ومن بينها الإخوان صار ثقيلاً، فكان لا بد من تغير الموقف السعودي من هذه القوى والجماعات، ولو أدى إلى إعادة النظر في علاقة تاريخية واستراتيجية معها كالتي نشأت وتوثقت بين المملكة والجماعة، وقارب عمرها ثلاثة أرباع القرن، فكان أول هجوم من الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية وأحد أركان الأسرة المالكة والدولة السعودية على الإخوان الذين حمّلهم نايف المسؤولية التاريخية عن أفكار التشدد والعنف والتكفير!
كان هذا في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2002، وهي اللحظة التي يمكن القول إن العلاقة معها انتهت بين الجماعة الإسلامية، الأقدم والأكبر في العالم، وأول دولة إسلامية تأسست على مشروع ديني في عصرنا الحديث!
* باحث في شؤون
الحركات الإسلامية