خالد صاغيةأدّت حملات التضامن مع غزّة إلى خلق ديناميّات في المجتمع اللبناني. فمنذ فترة طويلة، لم نشهد في لبنان مبادرات فرديّة تقوم بها عائلات بأكملها أو أمّهات وأولادهنّ للتعبير عن الرأي أو لحمل مطالب سياسيّة واجتماعيّة. ومنذ فترة طويلة، لم تتحرّر التحرّكات الشبابيّة والطلابيّة من القيود التي تفرضها عادةً منظّمات حزبيّة رسميّة تملك وحدها القدرة على الحشد.
وكان لبنان قد عرف في السنوات الثلاث الماضية تحرّكات عدّة رقصت كلّها على إيقاعات الحياة السياسية المدارة من التيارات الكبرى. فإذا ما نُظِّم تجمُّع أمام سفارة أو وزارة أو هيئة رسميّة، كنّا نعرف مسبّقاً حجم التحرّك وحدوده. لم تحصل تظاهرات عفويّة، ولم تجرِ محاولات تخطّي الأسلاك الشائكة أمام أبواب السفارات، ولم نراقب اشتباكات بين متظاهرين وقوّات مكافحة الشغب، وهذا كلّه ما كسره، خصوصاً، شباب مستقلّون ويساريّون وفلسطينيّون لم تخضع تحرّكاتهم لأيّ نوع من أنواع الكبح المنظّم.
لم تكن التحرّكات وحدها ما يخضع لمعايير غير مقبولة في عالم الاحتجاجات، بل وسائل المواجهة أيضاً. هكذا جرى إطلاق النار من الجيش وقتل عدد من المحتجّين في مار مخايل مثلاً، وسط تبريرات ربطت بين التحرّكات المطلبيّة ونيّات لدى المعارضة بالسيطرة على البلاد. والتحقيقات في تلك الحادثة خضع الاهتمام بها للتجاذبات السياسية نفسها.
وتتحمّل المعارضة، بصفتها معارضة، مسؤولية شلّ الحركة المطلبيّة في الفترة السابقة، لأنها كانت ترفع الصوت المطلبيّ أو تخنقه وفقاً لتكتيكاتها السياسيّة غير الموفّقة، قبل أن تقرّر وضع كلّ التحرّكات الاحتجاجيّة جانباً، وتحرّك آليّاتها العسكريّة للسيطرة على الوضع.
ثمةّ نسمة هواء طلق. لم نسمع أنّ 8 أو 14 آذار ساروا في التظاهرات. وكثير من المتظاهرين يرفضون تصنيفهم ضمن أيّ من المعسكرين، والمصنَّفون لم ينزلوا بصفتهم هذه. لذلك ربّما، كان طعم التظاهر مختلفاً، ولذلك أيضاً لم يكن الحضور كبيراً (باستثناء التجمّع الذي دعا إليه حزب اللّه في الضاحية).
على طلاب الجامعات خصوصاً أن يلتقطوا هذه اللحظة، وألا يبدّدوها. ثمّة مطالب كثيرة تنتظر... ثمّة بلاد تنتظر.