قد يكون مفيداً للمسؤولين عن تصميم الطرق في لبنان أن يفكروا بعقل مواطني يأخذ بعين الاعتبار حاجات كل فئات المواطنين وليس فقط سكان المدن. هذا ما يتبادر للذهن لدى الحديث عن مشكلة الرعاة في البقاع الذين كانوا، قبل بناء الأتوتسترادات المقفلة المنافذ لمسافات طويلة، يقطعون من جهة لجهة بقطعانهم، دون مشكلة، الأمر الذي تعطل مع بدء العمل بالأوتوستراد العربي المقفل

البقاع ـ أسامة القادري
«يا ابني مهنة الراعي صارت عيبة بهالبلد وحقوقنا فيه مهدوره». هذا ما قاله قاسم بيضون، السبعيني الذي يمتهن «رعي الماعز» منذ ستين عاماً. وقاسم عاتب على «الدولة"، أو بالأصح القيمين على مجلس الإنماء والإعمار، المؤسسة المعنية بمشروع الأوتوستراد العربي المقفل الذي بوشر العمل فيه مطلع العام الماضي من منطقة المصنع الحدودية حتى تخوم الحدود السورية. سدت ورش الأوتوستراد جميع المنافذ في وجه قاسم ومواشيه الظريفة، بدءاً من مدخل «هنغار» الجمارك اللبنانية، وعلى امتداد 6 كيلومترات إلى ما قبل الحدود السورية بـ4 كيلومترات. اعتراض الرعاة ليس على سد منافذهم بين جهتي الأوتوستراد، بل لعدم استحداث منافذ بديلة كالأنفاق تحت الطريق،التي لا تعيق السير ولا تعرضهم ومواشيهم للخطر. «صح ما بيصير نقطع من جهة للتانية فوق الأوتوستراد اللي عرضو 60 متر، يقول الرجل ، لكن أين هو البديل؟». فالمشروع لم يلحظ أن هناك مواطنين يعتاشون من الزراعة وتربية المواشي، وأن الأوتوستراد يمر في منطقة ريفية أو زراعية.
بانتظار وعود المسؤولين التي أغدقت عليه وعلى زملائه لدى المراجعات المتكررة، يقطع الرجل يومياً مسافة 6 كيلومترات ومثلها إياباً، حتى ينتقل بقطيعه من الزرائب إلى المراعي صباحاً، وفي المساء أيضاً لـ«يحوّل» بها إلى «مشاتيها». الرجل مضطر بسبب موقع العقارات الجردية في مجدل عنجر، التي تمتد باتجاه الأراضي السورية حوالى 6 كلم. يشير بيضون إلى أن هذه الفسحة الجردية يشطرها الطريق الدولي إلى شطرين جنوبي وشمالي، ما يحول دون انتقالهم من الجهة الشمالية من نقطة المصنع حيث يقيمون الزرائب إلى المراعي في الناحية الجنوبية، والجدير ذكره أن «الزرائب»، مسجلة في الصحيفة العقارية لمنطقة مجدل عنجر تحت رقم /11/ . يتنهد قاسم قائلاً «من لا يرحم لا يُرحم .. هيك عم يقطعوا برزقنا». فالمشروع أقفل على أصحاب المواشي المنافذ والمعابر «ليضاعف جهدهم» من دون الاعتراف بحقهم. ينتقد الرعاة وأصحاب الأراضي الزراعية الوزير غازي العريضي الذي زار نقطة المصنع منذ شهرين، ولم يتطرق إلى هذه المشكلة. فقد تقدموا بعرائض عدة، واحدة لمجلس الإنماء والإعمار، ومذكرتين لوزارة الأشغال: واحدة في عهد الوزير محمد الصفدي والأخرى بعد تسلم العريضي لوزارة النقل. إضافة لكتاب كانوا قد وجهوه لوزير الداخلية الأسبق حسن السبع، من دون أن ينسوا رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي خصوه برسالة شرحوا فيها مشكلتهم لعدم قدرتهم على التواصل مع أراضيهم التي جزأها المشروع.
وعن حلول وزارة الأشغال لهذه المعضلة، يستغرب الراعي أحمد جلول ما اقترحه مهندس مجلس الإنماء والإعمار الذي أشار على الرعاة باستخدام «عبّارة» بارتفاع متر ونصف وعرض متر ونصف، تستخدم لجر مياه الشتاء من جهة إلى أخرى «بدن ايانا نزحف بعبّارة للمية والوسخ مسافة 60 متراً»، شيء يعادل بالنسبة لهم نصيحة ماري أنطوانيت بأكل البسكويت بدل الخبز!! ثم يباشر تعداد أسماء المنطقة التي لا مجال له أو لزملائه سوى رعي مواشيهم في نطاقها: «ما عنا غير منطقة وادي الحرير اللي فيها وادي الجب و«الصدر» الكبير والصغير وقلعة المدركلي وشقيف عرس»، وجميعها تقع في الناحية الأخرى التي يفصلها الأوتوستراد.
أما الراعي رضا صالح، فيستذكر الأيام السالفة «كل عمرنا والطريق موجودة ومعبور العجّال موجود، كانوا يعملوا حساب لهالشي». يستطرد شاكراً عناصر الجمارك اللبنانية التي تسمح لهم بالمرور داخل باحة الجمارك، وبين الشاحنات المتوقفة فيها. «نمشي 6 كيلومترات، حتى نصل إلى فتحة عرضها متر» يعبرون منها للجهة الأخرى مخترقين ثلاثة حواجز داخل ساحة لجمارك.
يتحدث رئيس بلدية مجدل عنجر حسين ديب صالح عن جهودهم كبلدية حين قاموا بزيارة إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلس الإنماء والإعمار وعرضوا معهما المشكلة. ويشير إلى أن مجدل عنجر من أكثر القرى اللبنانية تضرراً كون الأوتوستراد «يقضم» منها ما بين 600 و700 دونم. لذلك يقع الرعاة وأصحاب الأراضي الزراعية في المشكلة من دون أن يجدوا آذاناً صاغية لحلها. مستنكراً إقفال مصدر عيش العديد من الأسر التي تعتاش من الزراعة وتربية المواشي. «طالبنا القيمين على هذا المشروع باستحداث معبر لا يمثّل إعاقة للسير ولا يقفل أيضاً مصدر رزق العديد من أبناء البلدة» يقول لـ«الأخبار». إضافة إلى مطالبتهم بمعالجة الضرر اللاحق بالمؤسسات التجارية على طول خط المصنع، وإيجاد حل جذري لمشكلة الشاحنات على هذه الطريق التي تنفلت من عقالها وتحصد «الحجر والبشر». ويختم بالقول «وللأسف لم ننل سوى وعود تنهال علينا»، فيما جرافات الورش ما زالت تعمل من دون الأخذ بعين الاعتبار مشكلتهم. وبالانتظار لا حل سوى باجتياز الأوتوستراد، لكن كيف نقنع معزايات الرعيان بالتلفت يمنة ويسرة قبل قطع الطريق؟».