«ثورة التمدن الثانية في منطقة البحر المتوسط حتى الفرات في الألف الثالث ق. م.» هو عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور ميشال مقدسي في متحف الجامعة الأميركية خلال اللقاء الشهري الذي تنظمه «جمعية أصدقاء متحف الجامعة الأميركية». ويقول الدكتور مقدسي الذي يشغل حالياً منصب المدير العام للتنقيبات الأثرية في سوريا، «منذ الألف الثالث قبل الميلاد، تلعب بلاد المشرق دوراً مهماً جداً في التجارة والعلاقات الدولية بين شاطئ البحر المتوسط ومنطقة الفرات، وصولاً إلى الهند وأفغانستان. وهذا ما أثبتته الحفريات الأثرية على المواقع الممتدة على سواحل جبلة، اللاذقية وعكار. فعلى تلك الأراضي الخصبة كبرت مدن يصل قطرها إلى 100 هكتار، كانت تزدهر كل يوم بسبب تلك التجارة «الدولية». فالقوافل كانت مما لا شك فيه تعمل على إيصال البضائع من شاطئ البحر المتوسط إلى مدن الداخل الممتدة على ضفاف نهر الفرات، ومنها إلى أفغانستان. وتعود القوافل محملة بالبضائع». ويرى الدكتور مقدسي أن هذا التفاعل الرائع للسكان هو الذي ولد ديناميكية اقتصادية جديدة كانت وراء «ثورة التمدن الثانية». ويستعمل الدكتور مقدسي نتائج التنقيبات الأثرية التي قام بها ليؤرخ تلك الثورة بين 2600 ـــــ 2450 قبل الميلاد. ففي تلك الفترة امتدت المدن الدائرية الضخمة. ويرى مقدسي أن الثلاث مدن الدائرية التي نظمت طريق التجارة تلك هي جبيل على الساحل اللبناني، قطنا أو موقع المشرفة الذي يرتفع في سهل اللاذقية، وماري على الفرات. وأكد مقدسي «أن التنقيبات الأثرية أظهرت أن هذه المدن كانت متصلة في ما بينها منذ الألف الثالث عبر شبكة من الطرق تفصل بين الواحدة والأخرى مسافة 20 كيلومتراً، أي ما يوازي مسيرة يوم كامل للقافلة، مما يشرح توزع الموقع الأثرية في هذا السهل الواسع».